احتجاجات فرنسا… ثورة ضد الفقر وغلاء المعيشة مختصر مفيد

16-12-2018

أحمد الدواس

هناك كثير من الفرنسيين يعيشون خارج العاصمة باريس، في الريف مثلا، ويستقلون وسائل المواصلات للوصول إليها، فلما يرتفع سعر لتر البنزين، يرتفع معه سعر النقل الى العمل والمدارس والمستشفيات، وأسعار التاجر والشاحنات، ما يجعل الفرنسي يعاني ضائقة ماليـة.
الحكومة الفرنسية قررت في نوفمبر الماضي فرض رسوم على الوقود، كالبنزين والديزل، فثارت الاحتجاجات بشوارع العاصمة، ولبس المحتجون قمصان العمال العاملين بالشارع ذات اللون الأصفر ،ويُقصد بها طبقة البسطاء، للدلالة على أن أكثر الشعب بسيط الحال.
كان الفرنسيون قد اختاروا إيمانويل ماكرون رئيساً لهم في مايو 2017 عندما وعد الطبقة المتوسطة بتحسين وضعها الاجتماعي، وهم اليوم يحتجون ضده في الشوارع بعد ان شعروا بالإهانة والحط من قدرهم، وتوسعت الاحتجاجات فشملت أنحاء فرنسا، وحُرقت سيارات كثيرة، ودُمرت مطاعم ونُهـبت محال تجارية، وعندما أرادت الشرطة صدهم ألقى بعضهم عليها سائل الـ”أستيون” سريع الاشتعال ، وصاح المحتجون:” ياماكرون ..قدم استقالتك”! وتعرضت المباني العامة والنُصب التذكارية، كتمثال نابليون وانتصاراته، للتشويه بالكتابة عليها بكلمات مثل “يـا ماكرون…قدم استقالتك …السترات الصفراء سوف تنتصر”، وانضم للمحتجين آلاف من طلاب الثانوية والمزارعين، وأصبح 70 في المئة من الفرنسيين يؤيدون ذوي السترات الصفراء.
أبدى المحتجون غضبهم على نواب البرلمان، وفي رأيهم ان هؤلاء لايذهبون للبرلمان، أو إنهم لايقرأون الصحف، وأن سياسات ماكرون منحازة لصالح الأثرياء والشركات الكبرى، فماكرون لا يفرض الضريبة عليهم، بينما يرى الرئيس الفرنسي ان الضرائب على هؤلاء ستُضعف الاقتصاد، فالدولة بحاجة إليهم لخلق الوظائف. اجتمع الرئيس بحكومته وزعماء المجلسين في البرلمان، واستمع الى رجال الأعمال وزعماء نقابة العمال والمستشارين، وانصاع اخيرا لضغوط الشارع، وظهر على قناة التلفزيون الفرنسي يوم 10 ديسمبر الجاري وقد اكتنفت نبرات صوته شعور بالألم، وتحدث بأسلوب متواضع، ولم يوافق على جميع مطالب المحتجين، بل قرر رفع الحد الأدنى للأجور البالغ ما يعادل 1704 دولارات اميركية، أي نحو 510 دنانير كويتية، اعتبارا من الأول من يناير المقبل بزيادة تبلغ مئة يورو، أي نحو35 دينار كويتيا، وإلغاء الضريبة على المتقاعد بمعاش أقل من ألفي يورو، لكن الفرنسيين رفضوا ذلك واستمروا بالاحتجاجات، إنهم مستاؤون من ماكرون، يرونه متغطرساً وبمعزل عنهم، سياساته تحابي الأغنياء، ورفعوا لافتات تطالب بإستقالته.
في هذه الأوضاع دخلت في خضم الاحتجاجات عناصر متطرفة حرقت وحطمت ونهبت، ماجعل ماكرون والطبقة السياسية الفرنسية في حالة صدمة وذهول مما يجري.
من رأي بعض الفرنسيين “أن الاحتجاجات لم تكن ضد الرسوم على الوقود فقط، إنما صراع العمال الفرنسيين العاديين والمتقاعدين والعاطلين، ومعظمهم من الريف، يطلبون فيه تحسين وضعهم المعيشي ضد” طبقة مـــُترفــة” متغطرسة بمنأى عن أحوالهم”، هذا وقد تأثر الاقتصاد الفرنسي سلباً حيث انخفض عدد السياح لمدينة باريس، وبالتحديد لبرج “إيفل” ومتحف الـ”لوفر”، وانخفضت مبيعات المحال التجارية، بينما كان هذا الوقت هو الأكثر مبيعاً في السنة بمناسبة عيد الميلاد ورأس السنة الجديدة.
زيادة الحد الأدنى للأجور وغيرها ستكلف الدولة نحو 10 مليارات يورو في السنة، وهكذا فبدلاً من أن تجني الدولة أموالاً من ضريبة على الوقود، أصبحت تدفع الأموال للفرنسيين، ودخلت الإحتجاجات أسبوعها الخامس، مات فيها بعض الأشخاص، وجُرح أكثر من ألف شخص، بما فيهم رجال شرطة، وسجنت الشرطة أكثر من ألف شخص.
الرئيس ماكرون قد يتجاوز هذه المحنة، ومع ذلك فقد أبدى استعداده للتخلي عن السلطة إذا زاد ضغط الشارع.
أحداث فرنسا حركت الشارع في هولندا وبلجيكا للمطالبة بالمثل، ومنعت مصر بيع القمصان الصفراء.