من يشكك بالجامعات المصرية؟

16-12-2018

حسن علي كرم

أرجو الا تعتبر السفارة المصرية في الكويت الخبر الصحافي الذي مفاده بان» 94 في المئة من الشهادات المزورة مصرية « انه طعن او تشكيك في مصداقية شهادات النجاح التي تمنحها الجامعات المصرية لخريجيها.
كذلك أرجو الا تعاد نغمة الخطوط الحمر التي ما فتئت وزيرة الهجرة نبيلة مكرم ترفعها منذرة الكويتيين، بمناسبة او بلا مناسبة، و كأن بين مصر والكويت خطوطا حديدية مدهونة باللون الأحمر جاز للمصريين تخطيها بكل حرية وباي مناسبة، ولا يجوز للكويتيين حتى الاقتراب منها.
و في كل الاحوال لا يغيظنا ولا يضيرنا ان حدد الأخوة المصريون علاقتهم مع اخوتهم الكويتيين بالخطوط الحمراء او الخضراء او السوداء، او اي لون شاؤوا اختياره، فالكويتيون يكفي أن قلوبهم بيضاء ولا خطوط او موانع تعيقهم للاتصال والتواصل مع اخوتهم في مصر المحروسة، بلاد الأزهر والعلم والفن والنيل العظيم، وبلاد عرفها الكويتيون منذ زمن طويل فأحبوها وعشقوها، وجعلوها مقصداً للزيارات والترفيه والتبضع،والأهم التحصيل العلمي، سواء في المرحلة الجامعية او مرحلة التعليم العام، ففي الأربعينات والثلاثينات من القرن الماضي، كان الطلاب الكويتيون يلتحقون بالمدارس الثانوية المصرية لنيل البكالوريا المصرية التي تجيز لهم الالتحاق بالجامعات المصرية، ولعل غالبية الجامعيين الكويتيين في تلك الفترة خريجو الجامعات والمعاهد العليا المصرية.
لذلك الكويتيون يمتنون لمصر، كونها فتحت ذراعيها لاخوتهم الكويتيين، كما يتمنون لبلدهم، في وقت كانت الكويت ما يزال التعليم فيها لا يتعدى المرحلة الأولية، نقول ذلك لاننا لا ننكر لمصر دورها التوعوي والتعليمي والثقافي ليس على الكويت، بل على كل العرب، مشرقهم ومغربهم، فلابد ان ينسب الفضل لأهله، لكن كل ذلك لا ينفي ان هناك هنات أصابت مصر واَهلها الكرام في الظرف الحالي، سواء من حيث الاقتصاد وارتفاع المعيشة والبطالة، الامر الذي انعكس على التعليم وسلوك الناس وأخلاقياتهم، ما أدى الى تفشي الظواهر السلبية مثل التحايل والتلاعب والمخادعة والرشوة والتزوير وغير ذلك، ومصر ليست استثناءً، ففي كل المجتمعات التي يسوء فيها الوضع الاقتصادي تتردى المعيشة جراء الغلاء والبطالة، وتنحدر السلوكيات، ربما مصر أفضل من كثير من البلدان ذات الكثافة السكانية العالية، والاقتصادات المتواضعة.
لعل مصر في ظل ما تشهده من نشاط تنموي جبار ينتظرها مستقبل واعد، ولعل المرء ينظر الى مصر ليس من بوابة الامن العربي، انما بوابة واعدة للاقتصاد، فهي تملك كل مقومات النجاح، ماضٍ يضرب في اعماق التاريخ، ومستقبل موعود بالامل والطموح.
ولعل اكبر ما يعيق تقدم مصر هو تراجع التعليم، فالرئيس السيسي اول من اعترف بان التعليم متخلف، ووزير التربية رفع عقيرته عالياً معترفاً ان 50 في المئة من المعلمين فاسدون، وان الدروس الخصوصية احد أسباب تردي وتراجع التعليم، هذا وان التجربة اليابانية التعليمية كما قرأنا قد فشلت، من هنا ينبغي الا ينزعج المصريون عموماً وسفارتهم في الكويت خصوصا، اذا أعلن وزير التربية والتعليم العالي الكويتي، او نشرت الصحف ان 94 في المئة من الشهادات الجامعية المزورة مصرية، فذلك لا يعني ادانة لكل الجامعات المصرية، او لكل التعليم في مصر، او ادانة لكل المصريين، بل لا أظن ان هناك من شكك او طعن بمستوى التعليم، لا سيما التعليم الجامعي، بدليل اعتماد وزارة التعليم الكويتية ست جامعات مصرية لالتحاق الطلبة الكويتيين فيها.
نحن متأكدون ان الجامعات لم ولن تمنح شهادات مزورة، لكن من يضمن الا يكون في داخل الجامعات من يسهل تسريب شهادات مزورة، ومن لا يضمن ان هناك عصابات متخصصة بتزوير الشهادات، مثل ما هناك عصابات متخصصة في بيع الكلى وعصابات بيع عقارات، و… و… و …؟
ان مسألة تردي التعليم ليست قضية مصرية، وهي قضية كويتية، انما قضية مشتركة، وهم نحمله جميعاً، فبدلاً من ان تبريء السفارة المصرية الجامعات المصرية من منح شهادات مزورة، وهذا امر مؤكد، كان عليها ان تدعو الادارة التعليمية الكويتية للتعاون مع نظيرتها المصرية للكشف عن المزورين، سواء هنا في الكويت او هنالك في مصر.
ينبغي ان ننظر الى التعليم على انه قضية مقدسة، لا علاقة لها بالحدود الوطنية او المصلحة المادية، فتردي التعليم في مصر ينعكس رأساً على التعليم في الكويت، ونحن نرى وباء الدروس الخصوصية الذي لم يكن معروفاً حتى ما قبل ثلاثة العقود الاخيرة في الكويت، الا انها انتشرت كالوباء في البيوت، فهل نبريء الهيئات التعليمية او المدرسين بانتقال هذا الداء القاتل من مصر الى الكويت؟
لا ينبغي ان نهرب الى الامام وكل يرمي الكرة في ملعب الاخر، هناك شهادات مزورة تصدر من مصر، وتصدر من ارقى الجامعات العالمية في أميركا وأوروبا وغيرها من البلدان، وكما ان الشهادات صادرة من مصر هناك شهادات مزورة من بلدان اخرى، على المصريين الا يكابرون او يصابوا بحساسية، فكما هناك عيوب تعتور بلدان العالم تعتور مصر، فلا قداسة على الارض، فأخلاقيات العالم تنحدر للحضيض، هل هذا يكفي؟
كاتب كويتي