كارثة الانفجار السكاني

16-12-2018

منذ العام 1974 تنبهت هيئة الأمم المتحدة لحصول الكوارث السكانية وتفاقمها، فعملت على عقد المؤتمرات الخاصة بتحديد ودراسة وقياس مستويات الكثافة السكانية في مختلف مناطق العالم، كما قامت بنشر الثقافة والوعي بهذا الخصوص..

الانفجار يحدث نتيجة للتزايد المطرد في أعداد البشر مقارنة مع الموارد الطبيعية المتاحة لهم، من زراعة وثروات حيوانية وبحرية ومائية، ومعدنية، ومما يهدد جزءاً من السكان المتشاركين في نفس الرقعة من الأرض بالفقر والجوع والعطش والمرض نتيجة عدم الحصول على الحصة الدنيا من المتطلبات الأساسية اللازمة للحياة البشرية.

في القرن الثامن عشر تمكن الباحث الإنجليزي (توماس مالتوس) من تعريف وحساب تلك الحالة بنظريته حول التكاثر السكاني، وتسميتها بالسعة الحاملة للأرض، فما يكفي لتسعة أشخاص، يجعل الشخص العاشر عبئاً على البقية، ويجعله خارج حسبة التوازن بين السكان والموارد، مؤثراً في تردي مخصصاتهم.

وغالباً ما تكون ظاهرة التزايد في تعداد السكان جلية في المناطق الصحراوية، التي تقل فيها الموارد الطبيعية، كما يحدث حالياً في بعض الصحارى الأفريقية.

ومن مظاهر حدوث الزيادة في الكثافة السكانية: انتشار الجهل، والزواج المبكر، وارتفاع أعداد المواليد، وقلة إعداد الوفيات نتيجة تحسن الخدمات الطبية، وتعالي نسبة الهجرة من الأوطان الأصلية إلى المناطق التي يوجد بها موارد طبيعية وهذا يتعاظم مع وجود التصحر، وزيادة الاحتباس الحراري، وارتفاع نسبة ثاني أكسيد الكربون، وما نشهده من تغيرات في التضاريس بأسباب ذوبان الجليد، وكثرة الزلازل، والأعاصير والتسونامي، ونضوب الأنهار، وتسمم التربة، والمجاري المائية بتكدس مخلفات المناطق الصناعية، التي لا تراعي الأسس الضرورية للمحافظة على البيئة، والطقس، والتربة الزراعية، وموارد المياه النقية.

كما أن الإنسان يعدّ من أهم أسباب هذه الأزمة بقيام بعض الطغاة الأقوياء المتسلطين بنشر الظلم والاستيلاء على كافة الموارد الطبيعية وترك المجتمعات الفقيرة عرضة للمجاعات والأوبئة، وأن يتم استغلالهم في الصراعات الدينية والحروب العرقية، وزراعة وبيع المخدرات، وتفشي أعمال العنصرية، والاتجار بالبشر، والأعمال الإرهابية.

ومنذ العام 1974 تنبهت هيئة الأمم المتحدة لحصول الكوارث السكانية وتفاقمها، فعملت على عقد المؤتمرات الخاصة بتحديد ودراسة وقياس مستويات الكثافة السكانية في مختلف مناطق العالم، كما قامت بنشر الثقافة والوعي بهذا الخصوص.

وقد بادرت بعض الدول المهددة بالانفجار السكاني بتحديد النسل، ووضع المحفزات للأسر التي تكتفي بأقل عدد من الأطفال، كما في الصين، وقامت دول أخرى بفرض الضرائب على من يتجاوزون الحد في ذلك.

قارة أفريقيا هي المنطقة العظمى، التي يحصل فيها حالياً الانفجار السكاني، باعتبار أنها تعد ثاني القارات عدداً للسكان بعد قارة آسيا، مع الاختلاف الكبير بين القارتين في المساحة والموارد لصالح آسيا، ولكن المتوقع أن تصبح أفريقيا الأولى في الانفجار السكاني على مستوى القارات، مع زيادة عظيمة في نسبة الأطفال والشباب، والتردي الكبير في نسبة الموارد المتاحة، والبيئة الملائمة للعيش.

الإنتاج الزراعي يستمر في التقلص في كثير من الدول لمستويات مخيفة، وارتفاع عدد الفقراء في أفريقيا حيث وصل تعدادهم إلى 127 مليوناً في سنة 2000، ومن المتوقع في سنة 2020 ألا تعيل أفريقيا 50 % من سكانها بإمكاناتها الخاصة.

وقد كانت التقديرات تشير إلى أن يبلغ تعداد البشرية على الكرة الأرضية 7.8 مليارات نسمة في عام 2050، غير أن الدلائل تشير حالياً إلى إمكانية الوصول إلى هذا الرقم بحلول العام 2030، مما يعني أن الانفجارات السكانية مستمرة في الظهور والتفاقم رغم كل الجهود الدولية المبذولة لمنع وتأخير ذلك.

هنالك أدوار عظيمة يمكن أن تقوم بها البشرية للمحافظة على البيئة وتجميع إمكاناتها وعقولها وإنسانيتها لنشر السلام والعدالة ومنع التسلح والحروب، حتى تعيد للكرة الأرضية بعض ثباتها القديم على حالتها الخضراء التي خلقت عليها، قبل أن يفسدها الإنسان، غير أن ذلك على الجانب الآخر قد يكون مدعاة لتفاقم أعداد البشرية بشكل غير مسبوق.

والأمر يظل جدلياً طالما أن بعض الأمم المتقدمة الآن تحاول سبر الفضاء الخارجي، بحثاً عن أوطان جديدة لهم، وترك هذه الكرة الخربة، لمن لا يستطيع التفكير بالرحيل عنها، متوغلاً في التكاثر والجهل والصراع مع المرض والفقر، ومع الشر، ومع الطبيعة المتوحشة الممسوخة.