هل يعجّل الاحتلال بالمصالحة الفلسطينية؟

16-12-2018
إلياس سحّاب

لا شك في أن أسوأ مفاجأة يفترض أن يستبعدها الاحتلال «الإسرائيلي» هي المصالحة الفلسطينية بين الفصائل الحاكمة في الضفة الغربية وغزة، «فتح» و«حماس». ذلك أن توسيع الهوة القائمة حالياً بين السلطات الفلسطينية في الإقليمين، هي بين أفضل ما يخدم الخطة المشتركة الأمريكية - اليهودية لترسيخ الخطوات المتدرجة على طريق تصفية القضية الفلسطينية خطوة خطوة، ما دامت تصفيتها بضربة واحدة، في خطوة واحدة، أمراً بالغ الصعوبة، بل بالغ الاستحالة.
وما دام من باب المستحيل الذي لم تنقطع «إسرائيل» عن تجربته سنوات طويلة، أن تدفع عرب فلسطين الذين ثبتوا في أرضهم المحتلة العام 1948، وأولئك الذين ثبتوا بعد حرب 1967 في كل من غزة وشرق فلسطين التاريخية في الضفة الغربية، إلى اليأس من الحياة داخل أراضي فلسطين التاريخية، رغم كل ما تفعله من منغصات لحياتهم فيها، منذ العام 1948، وحتى يومنا هذا، لعلهم يجددون الهجرة القديمة الجزئية، بهجرة جديدة جماعية، تنقلهم فجأة إلى أرض الجوار العربي في الأردن والعراق وسوريا وسواها. وما دام المستحيل الأبعد على «إسرائيل» هو تحقيق أحلام اليقظة التي كانت تراود إسحق رابين قديماً بأن يصحو من النوم ذات يوم فيجد قطاع غزة بمن عليه من سكان قد اختفى في البحر.
إن حماقة المشروع «الإسرائيلي» للحلول محل السكان الأصليين من عرب فلسطين، ما زالت تدفع أرباب هذا المشروع، إلى ابتداع حلول أخرى لهذه المستحيلات بدأت في «الكنيست» بإقرار قانون يهودية أرض فلسطين وسكانها، مفترضة بذلك إلغاءً نظرياً لوجود شعب فلسطين في أراضي 1948 و 1967 وفي الشتات، لعله يتحول إلى إلغاء واقعي، فيتحقق بذلك أخيراً الحلم اليهودي بعيد المنال.
إن اندفاع السلطات «الإسرائيلية» الاحتلالية، إلى استفزاز عرب فلسطين في كل مكان دفعة واحدة، بطريقة من المنطقي لها إذا استمرت وأصرت عليها سلطات الاحتلال، أن تستنفر داخل صفوف الشعب العربي في غزة والضفة الغربية، بشكل رئيسي، الصحوة الكاملة على فداحة ما يرتكبه المسؤولون في كل من غزة والضفة الغربية، من حالة انقسام تبدو في بعض الحالات وكأنها مرشحة للاستمرار وإبقاء الانقسام لا نهاية له، الأمر الذي يشجع حماقة الاحتلال على الاستمرار في خطوات عملية لتصفية قضية فلسطين تصفية كاملة.
هذا هو الوضع السياسي الأكثر أهمية الذي يفرض نفسه في هذه المرحلة على مسار القضية الفلسطينية، ويكاد يضع خطاً لمستقبل هذه القضية (سلباً أو إيجاباً)، إنها الانغماس «الإسرائيلي» الأحمق في توحيد حقيقي للمشاعر الشعبية في كل من غزة والضفة الغربية، يدمجها في حالات استفزاز واحدة في شرق فلسطين وجنوبها.
إن من يتابع هذه التطورات من يوم إلى يوم سرعان ما يكتشف أن المصالحة الفلسطينية ليست مطلوبة إلا على صعيد المسؤولين الرسميين في كل من غزة والضفة، أما على الصعيد الشعبي في كلا الموقعين، فإن الوحدة قائمة، وبأعمق مما يتصوره أكثر المتفائلين.
ففي الوقت الذي يطول فيه إصرار أهلنا في غزة على تحدي «إسرائيل» بالجمع بين المقاومة بكل أشكالها، إلى مسيرات العودة التي أصبحت عادة دائمة في قطاع غزة، فإن الضفة الغربية تشاغل الاحتلال، بنشاط ملحوظ بعشرات العمليات. كل هذه الأمور تجعل فلسطين المحتلة في الضفة الغربية وغزة، تبدو قطعة جغرافية واحدة .
إن استمرار هذا المسار وتطوره إلى عمليات أشد فعالية في كل من الضفة الغربية وغزة، يبدو قريباً في الأفق المنظور، ويجعل المصالحة الشعبية بين كل قطاعات عرب فلسطين، القائمة بأحسن أحوالها، تدفع كل الفصائل للخروج من حالة اللامصالحة، إلى حالة التوحد.
إن هذا هو الاحتمال الأقرب إلى التحقق من أحلام الاحتلال بالإلغاء الشامل لوجود عرب فلسطين على أرضهم التاريخية.