التحالف العربي.. وانتصار الحق

16-12-2018
محمد خليفة

تستبد الحيرة بالإنسان في هذا العالم الكبير، بعد أن أسقطت الليبرالية المادية المقولة الرئيسية في فلسفة التاريخ، والقائلة: «إن التاريخ هو قصة صعود الإنسان من عالم الضرورة إلى عالم الحرية». وتم طمس دور الإنسان الفرد في التاريخ، وجعل الإنسان فاقداً لكل حول وطول في تقرير مصيره وشق مجرى التاريخ. كل ذلك يغرق الإنسان في لجج من تشاؤمية متجهمة عضوض تعيد إلى الذاكرة أسطورة سيزيفوس وصراعه، ذلك الصراع الذي يشي بعبثية جهود الإنسان. وفي هذه الفترة الحالية المشحونة بالمعاناة والمترعة بالمتاعب، وهي فترة بالغة الصعوبة شديدة الحرج؛ وذلك بسبب المتطرفين في كل حقب التاريخ.
لقد عانى شعب اليمن الشقيق وتجرع كؤوس الشقاء؛ جراء أفعال الحوثيين المشؤومة، ولا يزال جزء منهم يعاني تحت وطأة هذه الميليشيات، حيث يتعرضون لألوان المحن وأنواع الفتن، كما يعانون الفقر والعوز والمرض والجوع. ولعل الاتفاق الذي تم التوصل إليه في السويد بين وفد الشرعية وجماعة الحوثي يفتح ثغرة في الأزمة اليمنية، ويشرع الباب أمام الأمن والسلام، وهما حق للشعب اليمني الذي يعاني الأمرّين.
وتستعر الحروب في بعض البلدان الفقيرة، وتحصد عشرات الآلاف من القتلى والمصابين والمشردين، وأغلبهم من الأطفال والنساء والشيوخ، إضافة إلى معاناة ملايين النازحين نتيجة القتل والعنف، ومما يُؤسف أن ظلال هذه الأحداث الداكنة ترسم أحزانها على بقاع شتى من الأرض العربية. ولا شك أنها سلبت الطمأنينة من النفوس، وأدت إلى تفرقة الأمة العربية والإسلامية، وانقسمت الأمة الواحدة إلى معسكرين: معسكر انحاز إلى الباطل مع الميليشيات المتطرفة، ومعسكر وقف مع الحق ضد إغراءات الفاسدين المتطرفين الذين يعانون أعراضاً عصابية ناجمة عن ردود الفعل المفرطة من جانب الضمير، وذلك إبان صراع الضمير والدوافع والنوازع الصادرة عن الطاقة البهيمية في أبشع صورها؛ نتيجة فقدان القدرة على التمييز بين الوسيلة والغاية وبين الثابت والمتحول؛ بل بين الخير والشر.
إن التحالف العربي قام لهدف واحد هو تحرير اليمن الشقيق، ورفع الظلم الذي يتعرض له، وإن كان التحالف قد قرر إيقاف الحرب بعد تحرير الكثير من أراضيه، وتأسيس جيش يمني قادر على تحرير باقي اليمن من أيدي الحوثيين، إلا أن دوره لم ينتهِ بعدُ، فسوف تبدأ مرحلة البناء، وإعادة إعمار ما تم تدميره على أيدي الحوثيين، ودعم كل جهود الاستقرار، وحفظ الأمن، وإعادة المهجّرين، ومعالجة المرضى والمصابين.
إن من يظن أن دور التحالف العربي في اليمن قد انتهى فهو واهم، فما زال البناء مستمراً، وما زال اليمن في حاجة إلى تضميد الجراح، وإعادة اليمن السعيد إلى سابق عهده، هذا جنباً إلى جنب مع تقديم الدعم الكامل لليمنيين لتحرير كامل أراضيهم، من أيدي العابثين الذين يريدون نشر الفساد في الأرض، وإغراق اليمن في بحور الدماء، وتقسيم اليمن عرقياً وطائفياً، وهذا ما لن يكون.
إن الحق سينتصر، لا شك، على الباطل، وستمتد الرابطة الإنسانية إلى العالم العربي، منسوجة من مشاعر جماهير الأمة العربية التي صقلها تراثها وتاريخها الأخلاقي ومشروعيتها العليا، في مصير الإخاء الذي لا يمكن تجاوزه، لذلك كان، ولا زال، هدف سياسة دولة الإمارات الارتقاء بالأمة إلى مستوى إنساني مشترك، يسهم في بناء إنسانية، قائمة على تعاون إنساني، في حقبة طابعها الرئيسي إنسانية عالمية التفكير، وعالمية الحقوق والواجبات والطموحات الإنسانية.
med_khalifaa@hotmail.com