أضواء على كبريت السترات

15-12-2018
عبداللطيف الزبيدي

ماذا وراء «السترات الصفراء»؟ لماذا هبّت أدمغة الفكر والفلسفة والاجتماع والسياسة والاقتصاد، لتنكبّ على الظاهرة؟ كيف انطلقت الحركة من باريس التي أكلها فكر، وشربها فن، ومشيتها موسيقى ورقص، وأنفاسها نسائم عطور؟
كانت التظاهرات أيسر فهماً لو اندلعت في عواصم الاتحاد الأوروبي الرخوة، لكن الإخراج التاريخي أراد مسرحاً للأحداث يكون بلداً فيه ستمئة فيلسوف أحياء، صدر فيه سنة 2017 ثمانية وستون ألف كتاب، عن قرابة 4500 دار نشر، باعت 356 مليون نسخة ورقية. ثم إن لفرنسا سابقة ثورة 1789، التي عبرت المحيط الأطلسي إلى القارة الجديدة.
ما أكثر الواهمين الذين لا ينظرون إلى الظاهرة في إطار شامل، تتوازى فيه حركة «السترات الصفراء» مع المسار الانحداريّ الذي تسير فيه الرأسماليّة المتغوّلة، التي ألقت بعيداً بمنظومة الحدّ الأدنى من القيم الإنسانية في السلوك السياسيّ الدولي. علينا مراقبة المتغيرات العالمية.
ما هي العوامل والمؤشرات التي سيكون لها دور كبير في التحوّلات الحاسمة؟ يجب العودة إلى الحكماء في المنعطفات الخطرة. كيشور محبوباني، المفكر السنغافوري أحد ألمعهم. سنة 2005 صدر كتابه:«ما بعد عصر البراءة، إعادة بناء الثقة بين أمريكا والعالم». السؤال: هل اهتزت الثقة، ولماذا؟ في عام 2008، حين كان الكوكب يترنح جرّاء الأزمة المالية، صدر له كتاب آخر:
«نصف العالم الآسيوي الجديد: التحوّل الحتميّ للقوة العالمية نحو الشرق». تلك الأزمة وعكة صغيرة، أُزَيْمة. ماذا لو انهارت المديونية الأمريكية التي تجاوزت العشرين ألف مليار؟
أحوج ما يحتاج إليه السياسيون في الشدائد هو خيال النظر الثاقب. وأحوج ما تحتاج إليه واشنطن هو الاستجابة لمحبوباني بالسعي إلى استعادة الثقة بها. يجب أن تدرك أن خصومها في صعود متسارع، وعليها أن تراجع اعتمادها المطلق على القوة والأوامر في العلاقات الدولية، وأن فرنسا التي يتهدّدها كبريت السترات بالتوسع والعدوى، هي أشدّ التحاماً شعبياً من الشعب الأمريكي.
لزوم ما يلزم: النتيجة الخطرية: باريس عاصمة الموضة، فليحذر العالم أن تجعل من عطاسها موضة.

abuzzabaed@gmail.com