التواصل الاجتماعي والانفصام عن الواقع

15-12-2018
فرانك كوشير *

أصبحت وسائل التواصل الاجتماعي ولو بطريقة غير مباشرة أهم ما يشغلنا، سوءا اعترفنا بذلك أم لا، ومن النادر أن تجد شخصاً لا يمتلك ولو حساباً واحداً على الأقل ضمن مجموعة مواقع النخبة الشهيرة مثل فيسبوك أو تويتر أو انستجرام وحتى برامج التراسل الفوري مثل «واتس أب» وغيرها، وفي ظل الدراسات والأبحاث التي أظهرت التنامي الكبير للاعتماد على هذه المواقع خاصة في الحصول على الأخبار، فإن التخلي عنها بشكل دائم أو لبرهة من الزمن هو مثار جدل كبير.
بالنسبة لمن يعيشون في المجتمعات المتقدمة، فإن انقطاع الإنترنت عن هواتفهم المحمولة أو أجهزتهم اللوحية هو أكبر الهواجس، لقد جاءت ثورة وسائل التواصل الاجتماعي مصاحبة للتغير السريع الذي طرأ على نمط حياتنا، من الاعتماد سابقا على أجهزة التلفاز والمطبوعات الورقية والهواتف المنزلية، والتي ورغم إيجابياتها العديدة فإنها أقصت الكثير من التواصل المباشر بين الناس إلى مدىً أصبح فيه من لا يمتلك حسابا على الأقل بمواقع التواصل الاجتماعي، أو هاتفا ذكيا كمن يعيش وحيدا في عزلة عن العالم الذي أغارت عليه التكنولوجيا.
ورغم كل ما ارتبط بوسائل التواصل من سلبيات تضمنت نشر الأخبار الزائفة وخطابات الكراهية وسوء استغلال البيانات مؤخرا، فإنه يجب الاعتراف بإيجابياتها بحكم أنها الآن النافذة التي نرى من خلالها العالم، إضافة إلى التغير الملحوظ الذي أحدثته في طريقة تفكيرنا ونظرتنا وتواصلنا مع بعضنا بعضا، وربما يكون قرار التخلي عنها واحدا من أصعب القرارات التي يتعين على المرء اتخاذها.
من أهم الجوانب السلبية لهذه المواقع، خصوصا من يعانون حالة شبه الإدمان، أنها تستهلك الكثير من الوقت الذي لو تم استغلاله جيدا لكان أفضل للشخص، إذ ظهرت طريقة جديدة عند كثير من الأخصائيين النفسيين، تعتمد على تشجيع الذين يعانون مشاكل نفسية على التوقف عن استخدام منصات التواصل الاجتماعي، وأظهرت النتائج تحسناً كبيراً في حالة كثير ممن يخضعون للعلاج النفسي أو حالات الاكتئاب الشديدة.
للإجابة بشكل واضح عن هذا التساؤل، فإنه لا يمكن التخلي عن تلك المنصات بشكل كامل، ولكن يمكن للشخص الموازنة بينها وارتباطنا الحقيقي بمن حولنا من أفراد العائلة والأصدقاء، وتغيير علاقتنا غير الصحية معها إلى منحى إيجابي آخر، وعدم اعتبارها بديلة عن الممارسات الإنسانية الحقيقية، لأن اللحظة التي يعيشها الشخص موجودة في الحقيقة الآن حوله، وليست كما تظهر على شاشة الهاتف الذكي أو الأجهزة اللوحية أو الحواسيب.
* اندبندنت