الحاجة والعقل العربي

إذا كنا ننشد التطور فإننا يجب أن نتعرف على أبوابه، أو المداخل المناسبة التي ستقودنا نحوه، ومن هذه الأبواب باب واسع هو الحاجة، فالإنسان منذ فجر التاريخ وحتى اليوم جاءت مخترعاته ومبتكراته متماشية مع حاجاته الحياتية، ويمكن أن نستحضر مهارة الإنسان الأول في صناعة الأخشاب المسننة والحادة والتي تطورت فيما بعد لاستخدام مشتقات بدائية من الحديد خاصة بعد استئناس النار، ويمكن ملاحظة تطور علم الدواء على مر التاريخ والذي نبع من صميم الحاجة لإيجاد العلاجات بغرض التشافي وغيرها كثير.
في العصر الحديث زادت حاجات الإنسان وتطورت ما دفع نحو المزيد من المخترعات والمبتكرات لنصل إلى عصر الذكاء الاصطناعي. عندما نفهم أنه يمكننا أن نشق بآلية الحاجة الطريق نحو المستقبل نكون قد وضعنا الخطوات الصحيحة في الطريق الصحيح، هذا الجانب أوضحه صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، رعاه الله، وهو يتحدث عن الريادة والابتكار والتطور، ولم يذهب بعيداً فقد أوجد الشواهد لعمق تلك المقولة، حيث قال:«الحاجة أم الاختراع، لكن الحاجات أنواع وأصناف يمكن أن يندرج بينها مفهوم الريادة.الريادة بالنسبة للعرب آنذاك لم تكن للتباهي، بل حاجة حيوية ومطلب أساسي ليس للتقدم والازدهار فقط بل للبقاء. عندما طور العرب نظم الإدارة الرومانية مثل البريد والنظام النقدي فإن التطوير كان الوسيلة الوحيدة لتنظيم حياة الناس وضبط الأقاليم الكبيرة التي فتحوها. وعندما اخترع العرب الشراع المثلث فإنهم فعلوا ذلك لأن وجود هذا الشراع يمكن السفن من الإبحار حتى لو لم تهب الريح القوية المواتية. ما الذي يعنيه ذلك؟ يعني أن التاجر العربي صار يستطيع نقل بضائعه إلى موانئ العالم القديم قبل سفن الآخرين ذات الأشرعة المستطيلة، وبيعها قبل الآخرين وبناء الثروة وفرص العمل قبل الآخرين، أي إنه صار تاجراً متميزاً لذا صار البقاء إلى جانبه».
بمثل هذه الرؤية الثاقبة تميزت الإمارات في عدة مجالات وفي عدة حقول معرفية وابتكارية، لكننا اليوم أكثر حاجة للثقة بالقدرات العربية والعقل العربي، الثقة في إبداعه وتميزه. هذا هو صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، يقول: إن آباءنا وأجدادنا العرب، ابتكروا واخترعوا وتمكنوا من الريادة والابتكار، لأنهم أمعنوا التفكير في واقعهم، فكروا في التحديات وكيف يتغلبون عليها، ونحن بحاجة لهذه الآلية نفسها من التمعن والتبصر في واقعنا إن كنا نريد أن يكون لنا مكان واسع بين أمم الأرض.