«طار البلد».. صوت الوجع

15-12-2018
مارلين سلوم
الأغنية «مختَصر إنسان»، هي حكايته على الأرض، الصوت حامل الكلمة، الصرخة، الشجن، الوجع، الحلم، الخيبة والانتصار.. فما فائدة الصوت إن بقي شاهداً أخرس، مغرداً عن الجمال والحب، بينما الناس من حوله يتألمون؟ ما فائدة الأغنية إن لم تكن المرآة التي ترى فيها نفسك؟ وما فائدة الفنان إن لم يكن يشبهك، يعكس أحوالك ويملك الجرأة على حمل صوتك إلى العالم؟
«طار البلد» غناها راغب علامة، فهدد نائب في البرلمان اللبناني ب «تطيير رأسه» لأنه يقول كلاماً «غير مسؤول»! واتهمه بنشر روح اليأس منتقداً أهل الفن والمسرحيين الذين يقدمون أعمالاً من هذا النوع. لو لم يقل علامة «طار البلد»، لبقي في نظر جمهوره مطرباً محبوباً، لكنه بهذه الأغنية قدم ما هو أكثر من جمال الصوت وشاعرية الغناء، مقرراً التحرك لتسجيل موقف وطني مشروع، ومن واجب الفنان أن يلعب هذا الدور لأن الفن رسالة وليس مجرد ترفيه وتسلية، ولا هو الوسيلة التي يجب تخدير الناس بها كي يصمدوا ويصمتوا أكثر.
ليست أغنية عادية، ففي كلمات «طار البلد» وقفة جاءت في الوقت المناسب، عرف علامة متى يتخلى فيها عن ثوبه الرومانسي ليقول كلمة حق، ويلعب دوراً من موقعه، للإسراع في إيجاد حلول لتفاقم الأوضاع في وطنه.
نعم راغب علامة محرِّض في «طار البلد»، إنما يحرض من وعلى ماذا؟ نعم هو يرفع الصوت عالياً، إنما في وجه من ولأجل من؟ علامة يحرض المسؤولين ليتحركوا قبل أن «يطير البلد»، يرفع الصوت في وجه المفسدين وفي ظل غياب العدالة وانطفاء الأحلام وازدياد القهر والجوع والحرمان.. هو ونزار فرنسيس تأليفاً وجان ماري رياشي تلحيناً، قرروا أن يحثوا على التحرك بالفعل لا بالكلام، فجاء تحريضهم موزوناً بلا مبالغة أو تشويه أو إقلال من شأن أحد.
في الأغنية وجع حقيقي، حرقة من القلب، نسمع صوت ابن البلد، ونرى الصورة التي يراها الجميع بوضوح، فلماذا يريدون من الغناء أن يكون هرجاً ومرجاً؟ لماذا يريدونه شاهد زور، يخدّر الناس بالكلام المعسول والغرام، يحكي عن وطن الأحلام والأوهام؟
لا نطلب من الفنان أن يلعب دوراً سياسياً، لكن الكلام عن مآسي الأوطان والتحذير مما آلت إليه أحوالها ليس سياسة. والحديث عن هجرة الشباب والعائلات ليس سياسة. والخوف والقلق على مستقبل الأبناء ليس سياسة. والصرخة في وجه الفساد والظلم وسرقة أحلام الناس ليست سياسة.
كل الفنانين دعموا راغب في وقفته الوطنية، وكلنا نتمنى التعامل مع الفنان باعتباره صوت الناس وليس مرسال غرام، هو حامل قضية إنسانية، ومن واجبه الوقوف في صف أهله وبلده في المآسي، ومن المعيب أن يأتي الرد بقطع الرؤوس، بدل التصفيق لأصحاب الضمير وسفراء الكلمة.
marlynsalloum@gmail.com