ماي والمهمة المستحيلة

15-12-2018
يونس السيد

نجحت تيريزا ماي في امتحان «حجب الثقة عنها» داخل حزبها؛ لكنها مع ذلك بقيت وحيدة في مواجهة العواصف الآتية، التي يبدو أنها ستجعل من مهمتها؛ (مواصلة السير بعملية خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي «بريكست» إلى نهاياتها)، مهمة شبه مستحيلة.
لم تكن الليلة الدرامية، التي واجهت فيها ماي تحدي حزبها لزعامتها في قيادة المحافظين، سوى التعبير الأبلغ عن حالة الفوضى، التي تعيشها بريطانيا من خلافات وانقسامات ليس فقط على مستوى النُخب السياسية، وإنما على مستوى الشعب، الذي وجد نفسه منقسماً إلى كتلتين كبيرتين تتعايشان، على مضض، بحكم الأمر الواقع؛ بعد استفتاء الخروج من الاتحاد الأوروبي في يونيو/حزيران عام 2016، الذي منح مؤيدي الخروج أغلبية بسيطة.
ومع ذلك، فإن نجاتها من اقتراع الثقة داخل حزبها بأغلبية مريحة (200 معها مقابل 117 ضدها) لم يمنحها ضمانة كافية لما ينتظرها، وإن كان منحها ضمانة عدم حدوث تحد آخر من أروقة الحزب لمدة عام؛ وفق ما نص عليه نظامه الداخلي. والأهم أن نتائج التصويت؛ تركت انقساماً مهماً داخل حزب يتربع على عرش السلطة، ويقود عملية تاريخية محفوفة بكل أنواع المخاطر، وعلى الأرجح أن تظهر خطورة هذا الانقسام في الاقتراع المُقبل لمجلس العموم البريطاني.
تيريزا ماي، التي تدرك هذا الأمر جيداً، وتدرك أكثر أن تصويت مجلس العموم المُنتظر على «بريكست» لن يكون في مصلحتها، كما أقرت ذلك بنفسها، وبالتالي فقد قررت تأجيل هذا التصويت إلى الشهر المقبل، على أمل استمالة ما أمكنها من الأعضاء، خلال هذه المهلة؛ عبر الحديث عن تخليها عن زعامة الحزب قبل الانتخابات المقبلة عام 2022، ومحاولة الحصول على تطمينات من الاتحاد الأوروبي، لمساعدتها في إقناعهم بشأن بعض القضايا المعلقة؛ ومنها مسألة حدود أيرلندا الشمالية، التي ستظل مفتوحة مؤقتاً؛ بموجب اتفاق الخروج، وبات يخشى أن تبقى مفتوحة بشكل دائم، وهو الأمر الذي يثير حفيظة الحزب «الوحدوي الديمقراطي» الأيرلندي، الذي لا يزال يمنحها الأغلبية في البرلمان. غير أن الاتحاد الأوروبي لم يقدم المساعدة المطلوبة، ورفض إدخال أي تعديلات على اتفاق الخروج؛ بل بدأ يستعد لإمكانية حدوث الطلاق دون اتفاق.
بهذا المعنى، فإن تصويت المحافظين، بعدم حجب الثقة عن ماي، كان أشبه بالمقامرة؛ لأنه قد يدفع الأمور نحو مزيد من التأزيم، خصوصاً وأن المعارضة البريطانية بزعامة «حزب العمال» تصر على طرح اتفاق الخروج للتصويت أمام البرلمان، وسط مؤشرات قوية؛ بأنه لا يملك فرصة تأييد البرلمان بصيغته الحالية؛ نظراً لتوافق مختلف الأطراف السياسية بمن فيهم المعارضون أصلاً للخروج، ومن كانوا يعدون من غلاة المؤيدين له على إسقاطه. وفي هذه الحال، ستضطر الحكومة إلى الدعوة لإجراء انتخابات مبكرة، تبدو حظوظ المعارضة في ظل هذه الأجواء المشحونة شبه محسومة في الفوز بها، وهو الأمر الذي سيكون كارثة ل«حزب المحافظين»، وقد يجعل ماي تتمنى لو أنها لم تفز في اقتراع الثقة، وتقود حزبها إلى هزيمة تاريخية، من المؤكد أنها ستؤرق حياتها، وتجعلها تندم كثيراً على الواقع المؤلم، الذي قادت حزبها وبلادها إليه.
younis898@yahoo.com