أوجاع فرنسا تتزايد

15-12-2018
صادق ناشر

بعد موجة الاضطرابات والاحتجاجات، التي ضربت فرنسا مؤخراً، والحديث هنا عن تظاهرات ما صار يُعرف بأصحاب «السترات الصفراء»، تلقت فرنسا ضربة جديدة من بوابة الإرهاب المسلح؛ بعد الهجوم، الذي استهدف «سوق الميلاد» في مدينة ستراسبورج قبل أيام، وأدى إلى سقوط عدد من القتلى والجرحى، ونفذه شخص يُدعى شريف شيخات، قُتِلَ بعد يومين من الهجوم.
بعد العملية، رفعت السلطات الأمنية الفرنسية درجة التأهب إلى مستوى الخطر الإرهابي؛ لتكون قادرة على ملاحقة منفذ العملية، البالغ من العمر (29) عاماً، الذي بحسب معلومات الأجهزة الأمنية من مواليد فرنسا؛ لكن المفاجأة أن المشتبه فيه، معروف لدى الأجهزة الأمنية؛ ما يدفع إلى الواجهة سؤالاً منطقياً؛ مفاده: ما الذي يدفع البلدان الأوروبية إلى التعامل مع مثل هذه الكيانات اللزجة، وهي تدرك الخطر، الذي يأتي من ورائها؟!، فإبقاء مثل هؤلاء القتلة طلقاء؛ يجعلهم قادرين على التحرك بأريحية أكبر، وبوسائل أسرع، فهم يختلطون بمجتمعات هذه البلدان، ويتعلمون لغتها، وبإمكان أي طرف استغلالهم؛ لتنفيذ أي عملية إرهابية.
كيف يمكن للدول الأوروبية الإسهام في محاربة الإرهاب، وهي تحتضن الكثير من هؤلاء؟، ويقعون تحت أعينها، ولماذا لا تتخذ الإجراءات الكفيلة؛ بتنظيف مجتمعاتها من هؤلاء القتلة، الذين يسرحون ويمرحون فيها وفي غيرها من البلدان دون حسيب أو رقيب؟.
لقد تركت الحادثة الأخيرة في ستراسبورج، الكثير من الأسئلة، التي تحتاج إلى إجابة واضحة وصريحة من قبل الدول الأوروبية، التي لا تزال تتعاطى مع القضايا المتصلة بالعمليات الإرهابية بنوع من الخفة، فإذا كان الإرهابيون مرصودين، فما الجدوى من عدم مراقبتهم؟، والانتظار، عوضاً عن ذلك، أن يقوموا بتنفيذ عمليات إرهابية، ثم تبدأ تتحرك لملاحقتهم.
لقد ضربت الكثير من المدن الأوروبية بعمليات إرهابية عدة، كان نصيب فرنسا وبريطانيا وألمانيا الأكثر من بين بقية الدول؛ لأن الملايين من الأجانب يعيشون على أراضيها، وعلى الرغم من الإجراءات المشددة، التي فرضتها أوروبا، خلال السنوات القليلة الماضية؛ لمنع وقوعها، إلا أنها أخفقت في القضاء على الإرهاب، الذي صار يتنقل من مدينة إلى أخرى، وهو ما يهدد خطط الاتحاد الأوروبي في التكامل الاقتصادي والسياسي، وربما يغذي ذلك مواقف اليمين المتطرفة، التي وجدت قواه المختلفة، صدى في بعض المجتمعات الأوروبية، وربما تكون العمليات الإرهابية الأخيرة، سلاحاً يمكن أن تستخدمه في أوروبا، خاصة أن اليمين المتطرف بدأ يتنامى في السنوات القليلة الماضية بشكل لافت.
لقد تزايدت أوجاع فرنسا، خلال السنوات الأخيرة، ودقت العملية الأخيرة في مدينة ستراسبورج جرس إنذار جديد ليس لفرنسا فقط؛ بل ولأوروبا بأكملها؛ مفاده أن التهاون في مكافحة خطر الإرهاب اليوم؛ ستكون أثمانه غداً باهظة، وهذه الأثمان ستكون لها تأثيراتها السلبية على القيم والمبادئ، التي تدعو إليها أوروبا؛ والمتمثلة في الحرية والعدالة، وغيرها من تلك التي تنادي بها، وتشيعها في العالم كله.

Sadeqnasher8@gmail.com