أصدقاء ترامب وضحاياه

15-12-2018
الحسين الزاوي

تزداد وتيرة الحديث عن شخصية ترامب ومزاجه المتقلب مع تزايد الضغوط القضائية عليه في التحقيقات المتعلقة بالتدخل الروسي المفترض في انتخابات الرئاسة الأمريكية سنة 2016، ويمسّ الجدل الإعلامي، هذه المرة، أصدقاءه وخصومه في مجال السياسة الدولية. إذ لا يترك الرئيس الأمريكي مناسبة أو حدثاً سياسياً أو اقتصادياً يتعلق بالعلاقات الدولية أو بالشؤون الداخلية للدول إلا وحشر أنفه في تفاصيله دون مراعاة للتأثيرات التي يمكن أن تتركها تعليقاته على علاقات واشنطن الخارجية، واللافت للنظر هو أنه يتجرأ على حلفاء أمريكا وأصدقائها أكثر مما يتجرأ على خصومها، ومن ثم فضحاياه في صفوف الأصدقاء تتضاعف كلما تفاقمت مشاكل وأزمات الدول الحليفة لبلاده.
آخر ضحايا نزعة التشفي التي تطغى على سلوك ترامب، كان الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، الذي يواجه غضباً شعبياً غير مسبوق لفئات واسعة من المواطنين الفرنسيين الرافضين للخيارات الاجتماعية والاقتصادية لقصر الإليزيه، حيث غرّد ترامب ساخراً من ماكرون ومعلقاً على قراره بتجميد الضريبة على الوقود، التي جرى إلغاؤها لاحقاً بشكل كامل، من أجل تخفيف الاحتقان الداخلي وامتصاص غضب أصحاب «السترات الصفراء»، قائلاً: إن ذلك يثبت فشل اتفاق باريس الدولي حول المناخ وهو ما يؤكد بالتالي صواب موقفه بشأنه كونه يسهم في ارتفاع كلفة الوقود بالنسبة للمواطنين، وجاءت سخرية ترامب الأخيرة بعد فترة وجيزة على الانتقاد الحاد الذي وجهه لماكرون على خلفية دعوة هذا الأخير إلى تأسيس منظومة دفاع أوروبية مستقلة لحماية أوروبا من التهديدات الخارجية التي تشكلها روسيا والصين وحتى الولايات المتحدة.
وقد أثارت تصريحات ترامب المتكررة حول فرنسا استياء الإليزيه، ودفعت وزير الخارجية جون إيفل ودريان إلى دعوة الرئيس الأمريكي إلى عدم التدخل في السياسة الداخلية لفرنسا، وخاطب ترامب قائلاً: «إننا لا ننخرط كطرف في النقاش الداخلي الأمريكي، دعونا إذن، نعيش حياتنا كأمة».
ويمكن القول بالتالي إن الرئيس الأمريكي لا يتورّع عن استغلال أي خطأ أو كلمة أو موقف متعلق بحلفائه وأصدقائه دون أن يتهجم عليهم ويقذفهم بألفاظه وتغريداته من غير أدنى شفقة أو رحمة، ولا يعنيه ما يمكن أن يتسبب فيه كل ذلك من حرج على مستوى الرأي العام الداخلي للدول الحليفة، وكأنه عاصفة مدارية مدمرة تأتي على الأخضر واليابس.
وكان ترامب قد تهجم في سياق آخر على ألمانيا وعلى سياسات المستشارة أنجيلا ميركل، في أكثر من مناسبة ولا سيما في قمة حلف الناتو، عندما طلب من ألمانيا أن تدفع مستحقاتها المالية للحلف، وفي قمة الدول ال 7 الأكثر تصنيعاً، وقد أفضت تهجمات ترامب المتكررة على برلين إلى دفع ميركل إلى التخلي عن ترددها بشأن المشاريع المتعلقة بدعم وحدة واستقلال أوروبا في مواجهة التحديات الخارجية، حيث أكدت على هذا التوجه بقولها: «علينا نحن الأوروبيين أن نأخذ مصيرنا بأيدينا».
ولم يتردد ترامب في السياق نفسه في انتقاد حليفته الأولى بريطانيا ورئيسة وزرائها تيريزا ماي، وحاول فرض تصوراته على لندن بشأن العديد من الملفات السيادية وفي مقدمها مفاوضات «بريكست»؛ وتهجّم أيضاً على كندا وعلى رئيس وزرائها جوستان ترودو أثناء قمة الدول الصناعية الكبرى بمقاطعة الكيبك الكندية، وذهب إلى حد سحب موافقة بلاده على البيان الختامي للقمة.
بيد أنه وفي مقابل تهجم ترامب على أصدقائه فإنه عبّر خلال حملة انتخابات الرئاسة الأمريكية، عن إعجابه بشخصية الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، وكرّر موقفه هذا في مناسبات عديدة، وقد أكد معارضوه أنه بدا خاضعاً وضعيفاً أثناء اجتماعه بنظيره الروسي في قمة هلسنكي. كما أفصح ترامب في السياق ذاته، عن حبه لزعيم كوريا الشمالية كيم جونج أون وأكد في رسالة بعثها له عن طريق رئيس كوريا الجنوبية أن لديه رأياً إيجابياً جداً بشأن شخصيته وسينفذ كل ما يريده عندما يلتزم بما اتفقا عليه في لقائهما المشترك.
إن «إعصار ترامب» كما يسميه البعض، «يُغرق» أمريكا ومعها كل العالم، في ضباب من المفاجآت ومن الشكوك وانعدام اليقين من خلال تغريداته وقراراته المفاجئة على طريقة أعداء التقاليد ومُتلفي الأيقونات والتحف الفنية، فالكلمات تؤدي بالنسبة لترامب وظيفة تكتيكية لا غير، ويمكنه، كما يقول المحللون، بكل بساطة أن يقول شيئاً ما في الصباح ويتراجع عنه في المساء. ويُجمع المراقبون على أن منهجيته الهجومية توقع الكثير من الضحايا في صفوف أصدقائه، وتعطي إشارات خاطئة لخصومه، وبخاصة عندما يصطنع معهم وداً كاذباً بغرض الحصول على مكاسب آنية.

hzaoui63@yahoo.fr