نقطة نظام

13-12-2018

عبدالكريم أحمد سعيد

الكل يدرك ان المجلس الانتقالي الجنوبي قد حدد أهدافه بشكل واضح وصريح لا لبس فيه، ولعل في طليعتها استعادة الدولة الجنوبية الفيدرالية الجديدة، وفي هذا الطريق بدأ في بناء مؤسساته التنظيمية والسياسية، على أسس وطنية، رغم الصعوبات والعراقيل التي يواجهها في ظروف غاية في التعقيد، محليا وإقليميا ودوليا، وعلينا أن نتفهم ذلك بعقلية ناضجة، متزنة وهادئة بعيدا عن الضجيج الإعلامي في مواقع التواصل الاجتماعي وغيرها من الوسائل الإعلامية اليومية.
مهما كانت المآخذ على أداء قيادات المجلس لدى البعض او حول سياساته تجاه التطورات الجارية، بما فيها موقفه من الحوار واتباع التهدئة مع الشرعية، وكذا علاقته بالتحالف العربي في إطار تحقيق أهدافه المعلنة في حرب اليمن.
بالتأكيد إن بعض هذا الطرح يصب في سبيل التقييم، حرصا على تصويب سياسات المجلس الانتقالي في نضاله وذوده عن الحق الجنوبي، وبعضه، للأسف، ليس له من غايات غير المكايدات السياسية ليس إلا!
ربما هناك بعض التقصير والهفوات التي رافقت سير نشاط المجلس في بدايات التكوين، وهذا أمر طبيعي يحصل خلال أي من مراحل العمل الثوري، وكل ما يتوجب علينا هو أن نستفيد من الدروس والعبر السابقة وعدم تكرار الأخطاء.
الأهم من ذلك أن نفتح قلوبنا ونمد أيدينا لبعضنا بعضا، بروح نضالية صادقة ومخلصة للجنوب، تستمد قوتها من القيم الحضارية والإنسانية للتصالح والتسامح الجنوبي، الذي قطعه شعبنا على نفسه عام 2006، وكان سر قوة الحراك الجنوبي السلمي منذ انطلاقته الاولى عام2007، لولا سعي السلطة لتفريخ مكونات وهمية لإضعافه، كما نراها تحاول اليوم فعله مرة أخرى تجاه المجلس الانتقالي، وقد أصبحت هذه اللعبة مكشوفة لشعبنا الجنوبي العظيم.
هناك أشخاص مصابون بالعمى الذهني والعقم الفكري بسبب هوس السلطة وحب المال، لذلك ينبغي أن لا تكون المناصب هما وهاجسا للتسابق الذي يؤرق البعض، بل يجب أن نضع مصلحة الشعب والوطن فوق كل الاعتبارات، حفاظا على تماسك اللحمة الجنوبية والوحدة الداخلية لثورة الجنوب التحررية، التي تواجه مؤامرات دنيئة وعمل خبيث لتشتيت قواها وإضعافها وبالتالي إجهاضها.
والدليل على ذلك استبعاد المجلس الانتقالي عن المشاركة في مباحثات السويد، كطرف أساسي يمثل القضية الجنوبية، باعتبارها القضية المحورية في أزمة اليمن، اذ تتعمد أطراف الصراع اليمني مجتمعة تهميش القضية الجنوبية، وكذلك بعض أطراف التحالف ولاعبين دوليين أيضا!
سيظل شعبنا القلعة الحصينة المنيعة التي تتحطم عليها كل مساعي قوى الشر، والجدار الصلب لصد وإفشال كل المخططات التي تستهدف قضيته الوطنية العادلة والمصيرية، وهو الذي فوض المجلس الانتقالي الجنوبي في بيان عدن التاريخي في أكبر مليونيتين شهدها الجنوب يومي الرابع و 21 مايو 2017 ليعبر عن إرادته الحرة، والسير به نحو تحقيق تطلعاته المشروعة في فك الارتباط بالعربية اليمنية واستعادة الدولة الجنوبية، وفقا لقواعد القانون الدولي وميثاق الأمم المتحدة والمعاهدات الدولية ذات الصلة، بل وفرض أمر واقع على الأرض في حالة استمرار هذا التجاهل في الجولة الثانية من المباحثات المقبلة، والبدء فورا بتطبيق ما جاء في بيان المجلس الانتقالي المهم الصادر يوم الرابع من أكتوبر 2018.
بهذا التفويض المعزز بوقوف الشعب بإرادته الحرة خلفه، والممهور بتضحيات الشرفاء من أبنائه، أصبح المجلس الانتقالي رقما صعبا لا يمكن تجاوزه او القفز عليه، والعالم والإقليم يدرك هذه الحقيقة جيدا، وعلى كل القوى والأحزاب السياسية والشخصيات الوطنية الوقوف خلفه ودعمه بكل قوة.
ندرك ان هناك قيادات سياسية من العيار الثقيل خارج المجلس الانتقالي، وهي مع مشروعه التحرري، وتعمل من مواقعها المختلفة بما يمليه عليها الضمير والحس الوطني، وعليهم تقديم النصح والمشورة الصائبة لقيادة المجلس، في مثل هذه الظروف العصيبة والحاسمة التي يمر بها الوطن، وهذا ليس تقليلا من مكانة المجلس الانتقالي الذي يملك من القدرات والكفاءات الشابة والمجربة، إلا أن القرارات الستراتيجية تتطلب دراسة عميقة وتمعن وحكمة، ومشورة من دهاة الأمة في السياسية والقانون الدولي أيضا، بعيدا عن الانفعالات وردود الفعل العاطفية، لما قد يترتب عليها من نتائج إيجابية أو سلبية لإنجاح أو فشل هذا القرار أو ذاك على مصير القضية الجنوبية.
على قيادات المجلس الانتقالي أن تحرص جيدا في التواصل مع هذه القيادات للاستفادة منها ومن تجاربها وخبراتها السابقة، وهذا ليس عيبا، بل واجب وطني وأخلاقي، بالذات مع تلك القيادات التي مازالت تحمل هم الوطن بنظرة ثاقبة للمستقبل، بعيدا عن أحلام العودة لباب اليمن، وكانت ضحية لنظام الاحتلال البائد الذي دمر الأرض والبشر في الجنوب على وجه الخصوص واليمن بعامة!

كاتب وديبلوماسي يمني سابق