جمعاويات شفافيات

13-12-2018

د. حمود الحطاب

أيها الرصاص،أيها الناشف،أيها السائل، كم أفتقدكم رغم أني أتعذب بالنقش فيكم.أيتها الأقلام الجميلة الحلوة،ايا ما كنت من ماركات او كنت من اكشاك الكتب/ أيتها الصديقات والأصدقاء، ايتها الآلات الجميلة الرشيقة:انتم صحبي ورفقائي وأنسي وسلوتي ومنذ على الدنيا أطل صبحي وحتى عن الدنيا يغادر ليلي.
انت أيها الرصاص،يامن مزقت يدي بحدتك حين اقسو عليك بالبري،وأنت أيها الحبر، كم اتلفت قمصاني البيضاء وبنطلوني الرمادي حين فاضت قربتك بالحبر الصيني على ثيابي، حين تعلمت الكتابة بك في مدرسة المأمون في منطقة الشامية. وأنت أيها الناشف كم تيبستَ بين يدي وورطتني في الاختبارات والامتحانات، كم ذا اشتاق لشقاوتكم وشقائكم، فإنني سيئ الخط لا أحسن رسم الحروف،ومنذ المرحلة الابتدائية والى اليوم، فرسم حروفي لا يشبه رسمها كما هي الحروف وخصوصا الحاء والعين والدال والراء والطاء، واكثر منها الألف فهي معوجة دائما.
لقد افتقدتكم أيها الأحبة،وكنت كتبت بكم رسائلي الماجستير والدكتوراه،فاستاذي في عين شمس رشدي خاطر لا يعترف بغير قلم الرصاص والبراية والمساحة بيدنا،واشتريت براية كهربائية حمراء بعشرين دينارا من شركة “العومي ” للالكترونيات، وكانت الشركة في الشارع الجديد المتقاطع مع الغربللي لأبري فيها اقلامي فلا تسقط منها نشارة القلم، فبها مخزن يحتفظ بالنشارة.
أيتها الأقلام الجميلة،أيتها الأطقم الحلوة، هل تذكرين أنني أهديتك لزوجتي حين لقائنا الأول لتكون معنى عميقا عن طبيعة الحياة العلمية التي نودها لحياتنا الأسرية؟ وكانت كما اراد الله، فالكتابة والكتاب لايفارقان مجالسنا الأسرية وكل يوم.
لقد حاولت الآلات الصناعية أن تحل محل القلم الذي به علم الله الإنسان مالم يعلم، فتحول القلم الى “الكي بورد” والى أجهزة الهاتف ليحرمنا لذة بري القلم ولذة المساحة الممحاة، كما حرمنا من تحفيز الدماغ حين الكتابة بالقلم،فالمخ يتحفز حين يكتب بالقلم وينشط،كما قالت دراسة ايطالية.وأما الكيبورد فلا يحرك الفعلين البصري والحركي معاً، وهو كالعقوبة للذاكرة. والقلم يؤدي الى تكامل الحواس، كما أن بطء القلم يساعد على تنمية وتطور المفردة وحسن انتقائها.لقد قال المؤتمر الايطالي: إن الكي بورد سيفقدنا عقولنا.
عد الينا ايها القلم،كم ذا اشتقت للكتابة بك، ولعل أطول مقالة كتبتها بك كانت رسالة الدكتوراه،وهي من ثمانمئة صفحة فولسكاب، طلب مني استاذي عبدالله الوصيف عميد جامعة الزيتونة حفظه الله ورعاه أن أعيد مما كتبت نحو ثلاثمئة صفحة،كتبتها من أجل التعديل، وقلت له وقتها: يا استاذي لو طلبت مني أن أمزق كل ما كتبت فأعيد وأكتب من جديد لفعلت ذلك عن رضا، فبهذا أكون كتبت في موضوع واحد أكثر من ألف صفحة بقلم الرصاص، ومعي البراية والممحاة والمسطرة.
قبل اشهر كنت أقلب ادراجي فعثرت على ربطات من اقلام الرصاص المبرية الملونة من الخارج،فأخذتها وجعلتها في ديوانيتي الخاصة لاستمتع برؤية هؤلاء الأصدقاء. فأنا والقلم وعذاب القلم وهواه عايشين لبعضنا،ولست أدري آخرتها إيه وياك يا اللي انت ناسينا. ربي يستر.

كاتب كويتي