من يشعل باريس… ولمصلحة من؟

12-12-2018

محمد الدليمي

فرنسا احدى القوى العظمى في العالم اقتصاديا وسياسيا وعسكريا، والعضو الدائم في مجلس الامن الدولي.فرنسا بلد مبادئ الثورة الفرنسية والحريات وحقوق الإنسان تعيش في أزمة حقيقية، ولهذه الأزمة علاقة بمناخات دولية واستقطابات معروفة، ولا يمكن ان تفصل في السياسة تأثير عامل محدد، فالأزمات التي تجابه النظم السياسية هي نتاج تضافر عوامل متعددة،ولكن فرنسا الدولة في الواقع مثل كل دول اوروبا تعيش تحت المظلة الاميركية،لكنها ادركت الجحيم الذي تقود اميركا العالم اليه بتوجيه من مصالح عالمية وقوى مسيطرة، فتحدث ماكرون عن جيش اوروبي،قوة عسكرية تتولى توفير الحماية لاوروبا بدلا من حلف الاطلسي الذي تحول الى اداة لتنفيذ الارادة الاميركية حتى لو تعارضت مع مصالح اوروبا،وفجأة اشتعلت النيران فى فرنسا. ليست صدفة فلا مصادفات في السياسة، فهو الرد الاميركي والقوة المسيطرة على قرارات العالم على محاولة ماكرون انهاء تبعية اوروبا لاميركا، وما تعليق ترامب على الاحداث في فرنسا ورد الخارجية الفرنسية عليه الا بعض قمة جبل الجليد.
فرنسا –افتراضا- لو نجحت سيعقبها تخلص اوروبا،وربما حتى اليابان من الهيمنة الأميركية وسيتغير العالم باكمله. زيادة الوقود التي اقرتها الحكومة الفرنسية ليست كبيرة الى حد اثار كل هذا الغضب والتدميرغير المبرر وغير المنطقي، والذي وصل الى حد يشبه رد فعل جمهور غاضب من دولة من دول العالم الثالث، وحاول المحتجون لتحطيم رموز تاريخية لفرنسا الامة،لا علاقة لها بالبنزين ولا الضرائب الا وهو قوس النصر.
لكن الرعب الاميركي ان نجحت كلمات فرنسا في تنبيه اوروبا الى الحقيقة،اليوم هناك تعارض مصالح قوى بين اميركا واوروبا ظهر باوضح صورة فى الموقف الاميركي الداعم للجماعات الارهابية المتطرفة وخصوصا جماعات الإسلام السياسي في المنطقة العربية رغم الاثار الكارثية للارهاب على اوروبا، فقد اصبح على اوروبا ان تستقبل ملايين اللاجئين العرب الفارين من بلادهم بكل عاداتهم وتقاليدهم وعقائدهم التي تختلف عن طبيعة المجتمعات الاوروبية وتهدد استقرار المجتمعات الغربية، وظهر ايضا في موقف اوروبا من العقوبات الاميركية المفروضة على ايران رغم تعرض مصالح اوروبا للضرر بسبب تلك العقوبات،وظهر في اصرار اميركا على اعادة اجواء الحرب الباردة بين اوروبا وروسيا رغم تعارض ذلك مع مصالح اوروبا.
واتصور أن هنالك سببا غير معلن، وهو ادراك بعض المؤسسات فى دول اوروبا ان الخطة الصهيونية الاميركية للسيطرة على العالم والتي كانت اول مرحلة فيها تفكيك الدول العربية لاقامة اسرائيل الكبرى على اشلائها،تتضمن تلك الخطة في مرحلة لاحقة خلخلة دول اوروبا، وما انتقال شرارة الأحداث الى بلجيكا وهولندا وتنحية المستشارة الالمانية ميركل بعد كل نجاحاتها في تعزيز مكانة بلدها اقتصاديا وسياسيا،وان كانت خليفتها من نفس حزبها ومن جنسها،وربما صديقتها، لكن هذا الاستبدال في مركز القرار الألماني ستظهر ملامحه سريعا في ارتخاء المانيا في دورها الاوربي وزيادة تبعيتها للسياسة الأميركية التي تصنعها دوائر أخرى غير ترامب وبهلوانيته.
فانتبهت فرنسا وتحدث ماكرون عن جيش اوروبي موحد لمواجهة من يريد ماكرون مواجهته،لماذا يريد ماكرون جيشا اوروبيا موحدا؟
بالتأكيد ليس لمواجهة روسيا فهناك حلف الاطلسي واميركا متواجدون فعلا لمواجهة روسيا والصين واي عدو اخر، وبالتاكيد ليس لمواجهة الدول العربية. اذا هذا الجيش الاوروبي الموحد لمواجهي قوى عظمى تحتاج الى توحد جيوش فرنسا والمانيا وايطاليا واسبانيا وباقي دول اوروبا بترسانتها الجبارة من الاسلحة التقليدية والبيولوجية والكيماوية والنووية.لم يتبق سوى اميركا والصهيونية فهما القوى العظمى الوحيدة التي تشكل اكبر خطر على العالم كله بما فيه اوروبا.
الصهيونية بسيطرتها على اميركا فهي اكبر خطر يهدد كل العالم. قرار الشعب الفرنسي سيحسم الموقف ومدى نجاح الرئيس الفرنسي ومهاراته السياسية في احتواء هذه الغضبة الشعبية المدعومة بقوة من اليمين الفرنسي المتشدد وقوى اخرى متربصة.
انتبهوا فأحداث فرنسا ليست في جوهرها اعتراضا على ضريبة ورسوم،فقد الغيت تلك ولم تتوقف الاحتجاجات،وكان مطلبها الرئيس تنحي ماكرون نفسه وحكومته، والمطالبة بانتخابات جديدة.
كاتب عراقي