عوالم المنطق ومنطق العوالم!

06-12-2018

قرأت بعض الأخبار التي تقول إن وزارة التعليم بصدد تدريس الفلسفة والقانون والمهارات التقنية في المرحلة الثانوية. والحقيقة أن هذا شيء جميل لولا أنه أفسد علي فكرة لمقال كنت «أنتوي» كتابته للمطالبة بتدريس هذه العلوم وأسسها حتى في مراحل ما قبل الثانوية.

ولكن بما أنهم بصدد تدريسها والأمر يبدو أنه واقع لا محالة فإن من واجبي الآن أن أعترض على ذلك التوجه، الاعتراض هو الأمر الذي أحسنه، وأشعر أحيانا بأني «خلقت لأعترض». وكل ميسر لما خلق له.

والاعتراض هنا لن يكون على تدريس هذه العلوم بالمطلق، ولكني فقط أريد التأكد من أسباب هذا التوجه، فقد لمست ـ وفقني الله ـ من خلال بعض الآراء المتحمسة لهذا الأمر أن الأمر ليس احتفاء بهذه العلوم والمعارف التي غيبت عن مناهجنا سنين عددا، وليس لأن هذه العلوم تخلق جيلا ناقدا واعيا يستخدم عقله استخداما فعالا لفهم الأشياء والحياة. وأن سبب الاحتفاء والترحيب بهذا الأمر هو مناكفة تيار لم يعد له صوت مسموع في الفترة الحالية، وشغل المكايدات والمناكفات هذا ربما كان سببه هو غياب تدريس المنطق والفلسفة واستخدام العقل في التفكير بدلا عن استخدام أعضاء أخرى. وهذه الآراء التي يغلب عليها طابع التشفي ليست مشكلة كبيرة فصدرها في الغالب من أناس ضلوا طريقهم إلى مدرجات ملاعب الكرة ووجدوا أنفسهم دون سابق استعداد ينظرون في الأمور الثقافية والاجتماعية، ما أخشاه وأتمنى ألا يكون حقيقيا أن يكون لدى الوزارة نفسها مثل هذا التوجه. وقد قلت مرارا قبل هذا المقال في مناسبات أخرى كثيرة وفي عهد وزراء سابقين ـ كثيرون أيضا ـ أن وزارة التعليم ـ أو التربية أو المعارف أو أيا كان أو سيصبح اسمها ـ يجب أن تبتعد عن فكرة إرضاء التيارات الفكرية. وأن يكون «التعليم» هو هدفها الأول والأخير وما بينهما، وحين كانت الوزارة بقضها وقضيضها ومبانيها وجدرانها وفصولها وموظفيها ومعلميها في فترات سابقة تخدم توجه تيار معين رأينا أين وصلت الأمور وكيف أصبح شكل مخرجات هذه الوزارة. ومن المهم أن تنتبه الوزارة إلى أن الخطأ لم يكن في اختيار التيار الخطأ، ولكنه كان في الانحياز من الأساس لأي تيار سواء عن عمد أو عن « قلة دبرة» وسهولة اختراق.

وعلى أي حال..

أهلا بالمنطق والفلسفة في المناهج، وأتمنى أن يكون تدريسها جادا حقيقيا وألا يكون الهدف هو وجودها باسمها فقط لمجرد استفزاز التيار السابق والتقرب من التيار الحالي. على أمل بأن يمد الله في أعمارنا وفي عمر الوزارة والوزراء حتى يأتي التيار الثالث الذي يجعل الوزارة تهتم بتعليم الصغار كيف يقرؤون ويكتبون ويفكرون.

agrni@