كهف الإعلام!

04-12-2018

كنت أحاول دائما تخيل ردة فعل أهل الكهف بعد أن استيقظوا من سباتهم واكتشفوا أنهم قد ناموا أكثر من ثلاثمئة سنة، صحيح أن الفترة طويلة جدا وأن «ورقهم» الذي احتفظوا به قبل نومهم لم يعد متداولا بعد استيقاظهم، لكني أظن أن هذه التجربة بمقاييس اليوم يمكن أن تحدث في عشر سنوات أو أقل، يمكن بعد نوم عشر سنوات أن تكون التغييرات التي ستشاهدها أكبر بكثير من التغييرات التي شهدها أصحاب الكهف.

الكائنات التي لا تحب الحركة كثيرا مثلي تعيش تجربة أهل الكهف في حياتها القصيرة أكثر من مرة، أنا كائن «بيتوتي». وقد استخرجت جواز سفري قبل الأخير وانتهت مدته دون أن أستخدمه، والأخير يبدو أنه في الطريق إلى مصير سابقه. ولذلك فإني أكتشف في المرات التي أخرج فيها إلى عوالم موازية أناسا يعيشون الحياة بطريقة كنت أعتبرها ضربا من ضروب الخيال العلمي قبل سنوات. لا أقول إنها سيئة أو إنها رائعة، هي غريبة وأنظر إليها كما نظر أصحاب الكهف والرقيم إلى الناس وهم يرفضون ورقهم.

والتغييرات هذه الأيام سريعة جدا وتلزمها خفة في الحركة لا أجيدها، ولا يتعلق الأمر بأساليب وطرق العيش فقط، بل في كل شيء.

الحياة الحقيقية لا تشبه تلك الحياة التي تصورها مواقع الانترنت ووسائل التواصل الاجتماعية، إنها مختلفة تماما وهذا أيضا قد يكون سببا في أن من يبني تصوراته عن الحياة من خلال تلك المواقع قد يعيش تجربة أصحاب الكهف حين يتعامل مع الحياة الحقيقية.

كل شيء مختلف تماما، حتى الآراء التي يقولها الناس في مواقع التواصل وفي المقالات والبرامج هي في الغالب ليست آراءهم الحقيقية، ولكنها آراء «تسويقية» قد يكون دافعها الرئيسي هو العرض والطلب وليس القناعات. الناس غالبا يحبون التماهي مع ما يطلبه المكان الذي يتواجدون فيه، ويجدون أن ذلك أمر باعث على الراحة، ولذلك يتبنون أحيانا آراء وتوجهات لمجرد أنها هي الرائجة والمطلوبة، لكنهم نادرا ما يحتفظون بتلك التوجهات، ويتخلون عنها بعد أن يعودوا إلى أرض الواقع.

هذا الانفصام ـ الأقرب إلى النفاق ـ كان موجودا سابقا بطريقة أخرى، فتجد ـ على سبيل المثال ـ إنسانا مولعا بالفن والموسيقى في حياته الخاصة، لكنه يحارب هذا الأمر في العلن مجاراة للموجة وللتيار السائد.

هذا الأمر الآن موجود ولكن في أمور أخرى لا علاقة لها بالفن والموسيقى، بل تتعلق بالآراء المتعلقة بالقضايا السياسية والاجتماعية والاقتصادية، فتجد شخصا يحارب في العلن ما يطالب به في مجالسه الخاصة.

وعلى أي حال..

أظن ـ والله أعلم ـ أن خير مكان في الدنا هو صالة بيتنا، وأن خير جليس في الزمان هو شاشة تلفزيون تنقل مباراة في كرة القدم تنتهي بفوز الفريق الذي أشجعه، ما عدا ذلك تفاصيل لست معنيا بها، ولكني أحب الثرثرة ـ كما تعلمون. لا أريد أن أخرج، ولا يهمني كثيرا نوع «الورق» الذي أصبح يستخدمه الناس.

agrni@