بيان باريس.. والوجبة الثالثة

02-12-2018

التقيت بأحد الزملاء يعمل في اليونيسكو التي تتخذ من باريس مقرا لها. سألته عن فرنسا وما يدور فيها؟ أجابني بأن «الطبقة الوسطى في فرنسا لم تعد تأكل ثلاث وجبات».

كلام يختصر الوضع الراهن في فرنسا، ويعكس واقع الحال لماكرون الذي يطالب الفرنسيون برحيله وسط مظاهرات كبيرة يصفها البعض بأنها في طريقها إلى ثورة جديدة.

لكن لماذا سارع الإيليزية بتفسير حديث ماكرون مع الأمير محمد بن سلمان على أنه حازم وقوي وصريح؟

رغم أنه لقاء عابر لمدة خمس دقائق، وليس مباحثات ولا يحتمل الوعيد والحزم اللذين ذكرهما متحدث باريس! كما أن الكلمات التي فهمت من اللقاء الجانبي تحمل معنى للود ورغبة الإنصات أكثر من الحزم والنظرات الحادة التي تحدث عنها الإعلام، كما أن الواقع السياسي شاهد على أن فرنسا هي الدولة الأوروبية التي كسرت حاجز الهجوم الشرس على المملكة من قبل تركيا خصوصا والعالم بشكل عام، من خلال تصريح وزير خارجيتها الذي وصف تركيا بأنها تتاجر سياسيا بقضية خاشقجي، مما أعطى الضوء الأخضر والمساحة الكافية لأن تنهج الدول طريقا آخر في تناول القضية، ولم يكن ذلك التصريح عبثا أو غير مقصود! كما أن فرنسا كانت أقل الدول الأوروبية حدة تجاه السعودية، وتعاملت بشكل أكثر واقعية، وبهدوء وحذر سياسي كما وصفت ذلك «رويترز»، على العكس من ألمانيا وكندا اللتين أصلا لهما ظروف سياسية خاصة مع السعودية.

موقف الإيليزيه السريع بتفسير لقاء الرئيس مع ولي العهد، وتصويره بالموقف الحازم، يندرجان تحت المصطلح السياسي «للعلم فقط»، وأعتقد أن السعودية متفهمة جيدا للموقف وهو يصب في مصلحة الطرفين.

وعلى الرغم من أن رؤساء دول أقوى من فرنسا كالصين وروسيا وبريطانيا والهند التقوا بالأمير إلا أن بياناتهم لم تخرج عن اللقاءات الثنائية والمصالح، حتى بريطانيا كان بيانها متفقا تماما مع بيانات المملكة السابقة بالعمل على ضمان عدم تكرار ما حدث.

حديث فرنسا ليس له طريق إلا الإعلام، ولا يمكن أن يكون في أجندة القرارات السياسية، ومن الصعب أن نفهم غير ذلك. لكن الخوف من أن تكون باريس أصبحت تبيع مواقفها السياسية لمن يشتريها، وهذه مسألة حساسة تعود بنا إلى ما ذكرناه بداية عن وصف صديقي لوضع الفرنسيين، وهو يعبر تماما عن الوضع الذي آلت إليه فرنسا.

أما المتلقي للمشهد حول بيان باريس «الحازم»، فإما أن يكون إعلاميا صرفا لا يدرك المضامين السياسية أو أنه صاحب توجه لا يرغب بأن يدرك إلا ما رسمه.