مراجعة مفهوم التميز في التعليم!

02-12-2018

ما من منشأة تعليمية إلا وهي في سباق حقيقي أو وهمي مع التميز! ولذلك يتهافت الجميع ويتداعون إلى هذا الماراثون الصحي، سواء على مستوى المدارس والمراكز أو الكليات والجامعات. وكل يدعي وصلا بليلى وليلى (قد) و(قد لا) تقر لهم بوصل!

وبعيدا عن التصنيفات العالمية للتميز التعليمي وشهادات الجودة للتعليم الأكاديمي والتدريبي، وبمنأى عن الصور النمطية المتداولة حيال تفرد بعض المدارس أو تميز بعض الجامعات والكليات، وفقا لمعايير محددة سلفا، يأتي السؤال الأهم من زاوية المستفيد (الطالب) و(سوق العمل) ليكون على الصيغة التالية: هل الطالب راض عن التأهيل الذي حصل عليه؟ وهل سوق العمل مقتنع بهذا المخرج؟

حينها وحينها فقط تكون الإجابة أكبر من أي مزايدة وأعلى من أي تصنيف لسبب بسيط ووجيه في ذات الوقت، وهو أن الطالب يعد العنصر الوحيد الذي سيترجم تعليمه (المتميز) إلى واقع مشاهد، وأن سوق العمل هو العنصر الوحيد أيضا الذي سيقرر مدى تمسكه بهذا المخرج (المتميز) من عدمه.

اليوم تحديدا لم يعد أمام العالم من القطب إلى القطب وقت للاستماع لادعاءات التميز دون براهين حقيقية مشاهدة على أرض الواقع. لغة الأرقام والإحصاءات والسلاسل الطويلة من قصص التفرد لم تعد كذلك وسيلة مناسبة لإسالة لعاب سوق لا يؤمن سوى بالماهر ولا يراهن سوى على المختلف والمبدع!

ولأن الشباب كله خير فإن الاستثمار في الخير بتعليم حقيقي متميز ينتفض على النمطية ويحاكي أجمل التجارب ويستدرج أفضل الممارسات المحلية والعالمية وينفتح على مصراعيه على آخر التطورات لم يعد مجرد عمل، بل تعداه إلى ضرورة قصوى للنهوض بالأمم والرقي بالأبناء والبنات ليقفوا جنبا إلى جنب مع بني الإنسان في كوكبنا الصغير، متحملين مسؤوليتهم تجاه نمائه واستقراره وديمومته.

ولأن التعليم المتميز يهدف دوما للوصول إلى هذه المقاصد الكبيرة، فإن التأمل في العملية التعليمية ومراجعتها وتطويرها الدوري ستظل مطلبا ملحا يقتضي منا معاودة النظر في بعض الأمور، ومنها:

- إن الإسراف في الأنشطة اللا منهجية والمسابقات المتنوعة في جميع مراحل التعليم وإذكاء روح المنافسة طوال العام وحشد العدة والعتاد لتقويم المشاركات وتصنيفها وتحديد الفائزين وتكريمهم مقابل ما قدموه من الأنشطة لا تعد ممارسة صحية، خاصة إذا ترسخ لدى الطالب أو المتدرب أن التعليم (المميز) هو النشاط حتى وإن كان بعيدا عن المحتوى الدراسي والمادة العلمية. ولموازنة هذا الأمر فإنه لا بأس بقليل من الأنشطة اللا صفية التي تعزز التعليم الأساسي core education دونما مبالغة، ودون تكاليف ترهق المتعلم جسديا وماديا.

- يجب على المؤسسات التعليمية جميعا عدم الإسراف في تمجيد ذواتها، ولكن لا بأس أن تعتز بأدائها المميز مع إظهار تراجعها أمام المنافسين الكبار. وهذا الأمر غاية في الأهمية فهو يجمع بين الانتشاء بالنجاح والعمل من أجل الهدف بعيد المدى للتغلب على الكبار أو الأقران وحصد التميز.

- يجدر أيضا بالمؤسسات التعليمية أن تعي أن مفهوم التميز لا يعني أن يكون كل طلاب المدرسة أو الجامعة بذات المستوى من التفرد، وعليه فإن زيادة التركيز على المبدعين والموهوبين وتبنيهم بل وتسريع تعليمهم وخلق فرص إضافية لصقلهم داخل وخارج حدود مؤسساتهم التعليمية أمر يضيف تميزا وجودة لهذه المؤسسة بالقدر نفسه الذي أضافه للطالب.

أتيت إلى ختام مقالي وأنا أكتنز الكثير والمثير، ولكني أريد أن أذكر نفسي وزملائي في جميع دور التعليم أن (التميز الحقيقي) سلم طويل وشاق، وقد تستغرق بعض مؤسسات التعليم 100 عام أو أكثر لخلق هذا الانطباع عن مخرجاتها، فلا يظنن ظان أن التميز محصلة نشاط ذات يوم أو شهادة في حفل تكريم ذات مساء، وحين يؤمن أحدهم أن (التميز) يقف عند هذا الحد فمرحبا به في عالم آخر يدعى (التحيز) للوهم. وشتان بين العالمين!

dralaaraj@