الذكاء العاطفي بعد وقت من تضليل الذكاء العقلي

02-12-2018

قضى العالم وقتا طويلا وهو يستخدم مقياس الذكاء العقلي IQ الذي يعتبر أي فرد غبيا إذا لم يكن ذكيا في الرياضيات والعلوم والقراءة. وخرجت دراسات عدة تنسف هذا المقياس وتعده مضللا وغبيا لأنه أساء إلى ملايين الأفراد بتضييع فرص الوظيفة أو الدراسة أو تسنم وظائف قيادية، وكان ذلك على مستوى العالم أجمع. ومن أهم تلك الدراسات نظرية الذكاءات المتعددة Multiple Intelligence لعالم النفس والبروفيسور في جامعة هارفرد هاوارد غاردنر ونظرية الذكاء العاطفي التي أوردها دانيال غولمان في كتابه «الذكاء العاطفي Emotional Intelligence» الذي سأستعرضه هنا اليوم.

يتألف الكتاب من 5 أجزاء و16 فصلا و6 ملاحق، ويعرض دراسات وحقائق علمية، وميزة هذا الكتاب أنه لا يُشترط التسلسل في قراءته، حيث يستقل كل جزء بذاته.

يستهل المؤلف كل جزء بمشهد درامي حقيقي لتسليط الضوء على خلل محدد. وتتضمن أجزاء الكتاب الخمسة ما يأتي: تركيبة المخ العاطفي /‏‏‏ الانفعالي، طبيعة الذكاء العاطفي، تطبيق الذكاء العاطفي، الفرص المتاحة، ثقافة الذكاء العاطفي.

والقضية التي يناقشها الكتاب هي النظرة المحدودة لمفهوم الذكاء بحصره بمعامل الذكاء IQ ولماذا يخفق أشخاص بمعامل ذكاء مرتفع وينجح آخرون بمعامل ذكاء منخفض عند استخدام مقياس الذكاء IQ؟ ويتحدث في الجزء الأول عن المخ الانفعالي/‏‏‏ العاطفي، حيث يستعرض في هذا الجزء من الكتاب اكتشافات تركيبة المخ العاطفي ويقول إن الإنسان يمتلك عقلين يحصل بهما على المعرفة؛ العقل المنطقي الذي يسمح لنا بالتفكير العميق والتأمل، والعقل العاطفي الذي يتم فيه توظيف المشاعر. وهناك تنسيق دقيق رائع بين العقلين، فالمشاعر ضرورية للتفكير، والتفكير مهم للمشاعر، ومع أن توظيف المشاعر مهم جدا لنجاح أي مؤسسة، إلا أن التحكم فيها من قبل العقل المنطقي مهم، فإذا تجاوزت المشاعر ذروة التوازن بتغلب العقل العاطفي يقوم العقل المنطقي بكبح جماحه ويحافظ على توازنه.

ويتناول الجزء الثاني من الكتاب طبيعة الذكاء العاطفي، حيث يشرح كيف تدخل معطياتنا العصبية في تشكيل الذكاء العاطفي، ويثبت أن معامل الذكاء IQ أسهم بنسبة 20 % فقط من العوامل التي تحدد النجاح في الحياة، ويعرف مؤلف الكتاب غولمان الذكاء العاطفي بأنه القدرة على التعرف على شعورنا الشخصي وشعور الآخرين وهو إدارة لتحفيز أنفسنا ولإدارة علاقتنا بشكل سليم في علاقتنا مع الآخرين، ويبين أن هناك خمس مهارات يشملها الذكاء العاطفي: أن يعرف الإنسان عواطفه، وإدارة تلك العواطف، وتحفيز النفس، والتعرف على عواطف الآخرين أو ما يعرف بـ «التقمص الوجداني»، وتوجيه العلاقات الإنسانية.

والسؤال الأهم: كيف يمكننا الاستفادة من هذا الكتاب؟

أرى أولا أن نوقف استخدام مقياس الذكاء IQ لعدم مصداقيته في تحديد الأذكياء، ولعدم شموليته لكل المهارات المطلوبة في العمل والحياة، وثانيا أن نبدأ في استخدام الذكاء العاطفي في العمل، فهو مؤثر على القائد والموظفين في الانضباط والإنتاجية، ويحد من سيطرة القائد المطلقة المؤذية والسلبية، ويمكن القائد من التحفيز والتعاطف والنقد البناء. كما أن الذكاء العاطفي مهم في العلاقات الزوجية وتربية الأطفال وتقليل المشاكل النفسية والصحية.

وخلاصة القول إنه ثبت عدم مصداقية مقياس الذكاء IQ، ومن الضروري النظر في استبداله بمقياس الذكاء EQ أو الذكاء العاطفي الذي يؤدي إلى تفاعل كبير بين الرئيس والمرؤوس، وينتج عنه انضباط كبير وإنتاجية عالية وولاء لا محدود للمؤسسة التي يعمل فيها الموظفون. وقد اقتنعت كبريات مؤسسات العمل والشركات في العالم المتقدم بهذا المقياس، فقد لمست فيه آثارا إيجابية أدت إلى نجاح كبير وأداء متميز للعاملين بشواهد وأدلة وأمثلة. والمأمول من مؤسساتنا وشركاتنا وقطاع التعليم بكل مستوياته أن يعايشوا العصر ويجاروا تقدمه باستخدام أدواته التي ثبت نجاحها وأصبح لها دور فاعل في تحقيق الأهداف المرسومة. هذا مختصر لكتاب يحمل مفاهيم تطبقها أنجح الشركات في العالم، آمل أن أكون قد وفقت في استعراضه.

Dralkhabti@