إنهم يلعبون.. ليس إلا!

02-12-2018

علاقتي مع السلاح قديمة، وكان السلاح الأول الذي اقتنيته هو النباطة أو «النبّيلة» كما نسميها في لهجتنا التي هي بالطبع أقرب إلى الفصحى من أي لهجة أخرى على هذا الكوكب. وكنت سأثبت لكم ذلك وكنتم ستقتنعون لولا أن اللغة ليست ما أود الحديث عنه.

أذكر ـ ليس كثيرا ـ أني كنت سعيدا باقتناء ذلك السلاح الفتاك، وكانت «لمبات» بيوت المنزل هي الهدف الاستراتيجي الأول الذي وضعته وشرعت في العمل للوصول إليه. وبالمناسبة فكلمة المنزل في لهجتنا ـ التي هي أقرب للفصحى كما أخبرتكم ـ تعني القرية عموما وليس البيت فقط.

ولحسن حظ الناس وإضاءات بيوتهم أني كنت فاشلا جدا في إصابة أهدافي، فلم أتسبب في كسر واحدة طيلة مسيرتي النضالية المباركة.

وفي مرحلة متقدمة تحتاج إلى تكتيك آخر وسلاح جديد استخدمت البندقية الهوائية أو «الساكتون»، ولم تتغير الأهداف. كنت أكره ـ لأسباب مجهولة ـ وجود الإضاءة في أزقة قريتنا، ولكن من حسن حظ الناس ولمبات بيوتهم أني لم أتغير كثيرا في مسألة دقة إصابة الأهداف، ثم حولت نشاطي إلى مطاردة القطط، وبالطبع كانت العملية أصعب لأنها كانت أهدافا متحركة.

في إحدى المرات استخدمت سلاحا حقيقيا لمحاربة الكلاب الضالة التي كانت ـ ولا زالت ـ سببا في الإزعاج وقلة النوم، حيث كانت تقيم فعاليات فنية بعد منتصف الليل تمارس فيها النباح بلا هوادة. وبعد حملتي العسكرية تلك زادت الفعاليات لأن الكلاب فيما يبدو شعرت بالطمأنينة وبشرت بعضها بطول السلامة.

كنت أستعرض تاريخي المجيد هذا وأنا أشاهد مقاطع لإطلاق النار في مناسبات الفرح، في استقبال القادمين بعد غياب وفي الزواجات. ولست أفهم السر الدفين الذي يجعل إنسانا سويا يحضر مناسبة للبهجة والسعادة وهو مسلح وكأنه ذاهب للجبهة، بعضهم لو قدر له أن يحمل دبابة على ظهره لما تردد في الذهاب بها إلى الزواج واستقبال الضيوف وقصف مقر الزواج بالمدفعية الثقيلة.

وهذه مشكلة أيا كان عمر وقدرة وتمكن حامل السلاح، لكنها تصبح كارثة حين يحمل السلاح أطفال أو مراهقون يجدون صعوبة في حمل هاتفهم النقال، ثم يبدؤون في إطلاق النار الكثيف وسط مجموعة من البشر الذين لا ذنب لهم إلا أنهم توهموا أنهم ذاهبون للاحتفال بمناسبة سعيدة.

مجرد وجود السلاح في أيدي هؤلاء يعني ببساطة الاستهتار بقيمة النفس البشرية، أما استخدام السلاح فعلا فهو أمر أكثر من كونه مجرد استهتار، وأظن أن التهمة المناسبة لهؤلاء هي الشروع في القتل حتى وإن لم تقع حوادث خطيرة مثل تلك التي نشاهدها في المقاطع المنتشرة.

وعلى أي حال..

يبدو أن هؤلاء العابثين ينتقلون مباشرة من استخدام السلاح في لعبة « فورتنايت» إلى استخدام السلاح الحقيقي في المناسبات، وهذا جعلهم لا يشعرون بأن الموت الذي قد يتسببون فيه موت حقيقي، ولذلك ربما يكون من المناسب وضع لوحة عملاقة في مداخل قصور الأفراح والاستراحات يكتب عليها: عزيزي المهايطي الجميل، هذه ليست لعبة والناس الذين تشاهدهم هنا يعيشون مرة واحدة فقط، ولا يمكن أن يعودوا للحياة بمجرد إعادة اللعب من جديد.

agrni@