عندما تكون السلطتان غائبتين عن الواقع بقايا خيال

17-11-2018

يوسف عبدالكريم الزنكوي

ما إن ظهرت بوادر شكاوى الناس تتصاعد وتيرتها بسبب غزارة الأمطار، حتى استيقظت الحكومة والبرلمان من سباتهما العميق، للإعلان وبارتباك ملحوظ، عن تشكيل غرف عمليات متنوعة لمواجهة كارثة السيول، عبر مختلف أجهزتهما، مثل غرفة عمليات الدفاع المدني، وغرفة عمليات الحرس الوطني، وغرفة عمليات الداخلية في صبحان، وغرفة عمليات الجيش، وغرفة عمليات وزارة الصحة، وغرفة عمليات البلدية. بل إنه حتى البرلمان صارت عنده غرفة عمليات، لدرجة إن رئيس مجلس الأمة نفسه ارتدى زيا غريبا، كتب على صدره “حرس مجلس الأمة”، وهي تقليعة تظهر لأول مرة في محيط العمل البرلماني، فما نعرفه عن مجلس الأمة أنه جهة تشريعية ورقابية فقط، أما عمليات الطوارئ والإنقاذ والإسعاف ومساعدة أو خدمة المواطنين والوافدين، فهي مسألة حكومية صرفة، ومسؤولية مناطة فقط بالسلطة التنفيذية، وإذا كان هناك تقصير في هذا المجال، حينها يأتي دور البرلمان في المحاسبة. لهذا نقول وبالفم المليان: ما الغرض يا مجلس الأمة من هذا الاستعراض من غرف عمليات برلمانية وموضة الزي الجديد “اللي ما له معنى؟ شكو مزاحمين الحكومة؟” إلا إذا كانت المسألة من أولها إلى آخرها دعاية انتخابية، فهذا أمر آخر.
كثرة غرف العمليات هذه، وتأخر تفعيلها، أكدت لنا حقيقتين، أولاهما أن إنشاء مثل هذه الغرف “بعد” أن وقعت الكارثة، وليس قبل مواجهتها، يوضح لنا طبيعة شخصية كثير من كبار المسؤولين في مؤسسات الدولة، فهم من أتباع “ردود الأفعال”، وليسوا مخططين يسبقون الكوارث، وإلا لكانوا أنشأوا هذه الغرف قبل وقوع المصيبة، وهذه هي الحقيقة الثانية، ولكانوا خططوا للدولة فالأحوال العادية، أو قبل وقوع الكوارث، وليس بعدها. عموماً، نتمنى أن تكون هذه الغرف “المتزاحمة” والزائدة عن الحاجة، قد حققت الغرض الذي أنشئت من أجله، بعد انقشاع الأمطار، وبعد أن تركت وراءها الدمار والخراب، ونتمنى أيضاً أن تكون هذه الغرف قد ساهمت في إنقاذ الأرواح ومساعدة الناس،من دون إضافة أعباء وتكاليف مالية أخرى على كاهل الدولة التي سترهقها مسألة التعويضات “المطرية”.
في يوم الثلاثاء الماضي كان الكويتيون والوافدون، من الذين تضرروا من سيول الأمطار، يتوقعون أن يحضر جلسة مجلس الأمة “الموقر” أعضاء الحكومة “الرشيدة” كلهم، وأن تتمخض هذه الجلسة الاستثنائية عن جدية غير مسبوقة في مناقشة ما يمكن عمله لمواجهة كارثة أمطار غير مسبوقة أيضاً، فأغرقت الأرض والحرث وأصابتها في مقتل. لقد توقع الناس أن يبحث المجلسان جوانب هذه الكارثة، التي ما كانت لتتفاقم لو اهتممنا منذ عقود من الزمن مضت بوضع الرجل المناسب في المكان المناسب، وتوقعوا أن تتم مناقشة قضية تعويض المتضرر الحقيقي من جراء هذه السيول التي عصفت بمشاريع ضخمة، بسبب الفساد الذي تعمقت جذوره في كثير من أروقة المؤسسات الحكومية. هذا الأمل بعقد جلسة مثمرة لم يتحقق مما كان متوقعاً منه ولا حتى 10بالمئة، ولست مبالغاً في تقدير هذه النسبة، إذ ما عليك إلا تفحص عناوين الصحف المحلية، على صفحاتها الأولى، وذلك في اليوم التالي (الأربعاء الموافق 14 نوفمبر الجاري)، من هذا الاجتماع البرلماني الفاشل:
فجريدة “النهار” كان عنوانها بارزاً (فقدان النصاب أضاع على مجلس الأمة فرصة مناقشة كارثة السيول وأضرارها)، و”القبس” أبرزت عنواناً آخر (ترقب الأمطار يطير نصاب الجلسة)، وجريدة “الجريدة “كتبت (جلسة “الأمطار”… بلا نواب ووزراء)، أما جريدة “السياسة” فقد كان عنوانها الرئيس (أول قصيد المجلس تعطيل وسجالات)، وجريدة “الأنباء”عنونت (“المطر” بلا نصاب.. وجدل حول اللجان). وعندما تتفق كل الصحف الكويتية على كشف حالة الموت الإكلينيكي للحكومة والبرلمان معاً في هذه الجلسة المصيرية، وكأنهما وقفا عاجزين عن مواجهة الكارثة بجدية لإصدار قرارات حاسمة ومصيرية أيضاً، يحق لنا أن نتساءل: هل كانت الحكومة والبرلمان حينها على مستوى المسؤولية؟ والجواب عند القارئ الكريم.
من هنا لم يبالغ الشعب المتضرر من هذه الكارثة عندما قال بالصوت العالي: إنها فعلاً حكومة ما تستحي، وبرلمان ما ينتخي، وما بيد هذا الشعب المغلوب على أمره إلا أن يسكت على المصيبة. اللهم لا نسألك رد القضاء الذي أصابنا على شكل أمطار غزيرة، ولكننا نسألك اللهم أن تخلصنا من هذين المجلسين. وللحديث بقية.
شصاير فينا؟:
من رئيس القسم لي حَد الوزير
نادر اللي له نوايا صالحه
ناقة الديره اتركوها في الهجير
وعقْب حَلْب الديد… قالوا “مالحه”
أصغر مْوظف… إلى أكبر مدير
منهو ما خلّاها “عِزْبه” لصالحه؟
“كالحه” هذي الليالي يا عشير
واقرا في القاموس معنى “الكالحه”!!

في أوضح من الشاعر “وضاح”؟

إعلامي كويتي