مراكز الاستشارات التعليمية والمنظومة الأكاديمية

18-10-2018

التعليم الجامعي بوضعه الحالي لن يستطيع أن يخدم بصورة فاعلة أهداف التنمية الاقتصادية والاجتماعية لاسيما أن من الأهداف التي يسعى إليها التعليم تنويع مصادر الدخل عن طريق الاهتمام بالصناعة والتجارة وعدم التركيز على مصدر واحد وهو النفط..

مراكز وأقسام الاستشارات التعليمية كأحد المحددات الرئيسة للخريطة الأكاديمية، وكأحد العوامل الأساسية في تحديد التخصصات العلمية تقليد جامعي قديم وعريق، وهو مكوّن مهم من مكونات الحياة الأكاديمية، يحتاج منا إلى نظرة علمية جادة، فهي أهم ما يؤثر في صياغة واقع العلاقة ما بين الطالب ونوع الدراسة والتخصص العلمي واحتياجات السوق.

فقد درجت معظم الجامعات المتقدمة على إنشاء مراكز وأقسام للاستشارات التعليمية كأحد متطلبات المنظومة الأكاديمية المتطورة؛ وذلك للوصول بالطالب أو الطالبة إلى رؤية علمية واضحة لمستقبلهما الأكاديمي، تعينهما على اختيار التخصص ونوع الدراسة وحاجات سوق العمل.

وذلك بعد أن تتعرف تلك المراكز أو الأقسام على القدرات والمواهب والمبادرات والإمكانات الذهنية والعقلية والعلمية التي يتمتع بها الطالب أو الطالبة، أي بمعنى وضع الطالب أو الطالبة في المقعد الدراسي الذي يلائم قدراتهما العلمية والأكاديمية وتطلعاتهما المستقبلية.

وفي هذه الحالة فإن المركز الاستشاري الأكاديمي يساعد الطالب أو الطالبة في الوصول إلى القرار السليم في الاختيار بين المعاهد ذات السنتين كمعاهد الاختصاص الحرفية والمهنية، والكليات الصغيرة والمتوسطة ذات الثلاث سنوات ككليات المجتمع والمعاهد لما بعد المرحلة الثانوية، والمراحل الأكاديمية كالكليات ذات الأربع سنوات أو أكثر، وبرامج الدراسات العالية المتقدمة ومعاهد التعليم العالي ومعاهد الدراسات الشاملة والمعاهد العليا.

وفي هذا يمكن للمركز الاستشاري التعليمي أن يلعب دورًا بارزًا في تحديد الرغبات والإمكانات القائمة على الكفاءة والتخصص العلمي والمهنية، وعند ذلك تتحقق فكرة المدرسة الحديثة «الكيان الجامعي» المؤسسة على احتياجات سوق العمل المنبثقة عن سياسة التدريب الجامعي، وعند ذلك يصنع التعليم سوق العمل، ويتفاعل مع الحياة الاقتصادية.

فالتعليم المغترب عن البيئة والمحيط الاقتصادي - الاجتماعي يصنع ثقافة مغتربة عن محيطها الحيوي، وبذلك يصير التعليم مفتقرًا إلى مقومات الحياة، وفي هذه الحالة لابد من تحوير بيئة التعليم وتطويعها لحاجات الواقع.

فقد أكدت دراسة مقارنة عن التعليم الصناعي في دول الخليج العربي على أن التعليم الأكاديمي النظري بوضعه الحالي في دول الخليج العربي لا يزال منفصلًا تمامًا عن حاجات سوق العمل رغم ذلك السخاء الذي يبذل من أجل نشر التعليم وتوفير مستلزمات إنجاحه.

وبالرغم من هذه العناية الكبيرة التي يلقاها التعليم في الخليج إلا أنه لم يقابله تطوير ذكي ونوعي رغم الجهود المبذولة، ولذلك فإن التعليم الجامعي بوضعه الحالي لن يستطيع أن يخدم بصورة فاعلة أهداف التنمية الاقتصادية والاجتماعية لاسيما أن من الأهداف التي يسعى إليها التعليم تنويع مصادر الدخل عن طريق الاهتمام بالصناعة والتجارة وعدم التركيز على مصدر واحد وهو النفط، وهنا يبرز دور التعليم في تنمية العنصر البشري الذي يصنع التطور، وذلك عن طريق بناء التخصصات العلمية على أساس السوق الاقتصادي «حاجات العمل» وهو أن توفر الجامعات والكليات والمعاهد العليا ومعاهد التعليم العالي تخصصات علمية لتنفيذ استراتيجية النمو الاقتصادي والاجتماعي لتستجيب لمتطلبات رؤية 2030.

وهنا تأتي الحاجة إلى إنشاء مراكز الاستشارات التعليمية في الجامعات ففي دراسة علمية للباحث عبدالكريم المنقور والتي نال بموجبها درجة الدكتوراه من جامعة نورث كلورادو، والتي نشر جزء من نتائجها وتوصياتها في مجلة المبتعث في واشنطن وجد المنقور أن هنالك إمكانية لإنشاء مراكز للاستشارة التعليمية في الجامعات تستجيب لرغبات الطلاب وتساير نمو البلاد الحضاري مطبقًا أطروحته العلمية على جامعة الملك فيصل، وقد توصل الباحث إلى النتائج التالية:

حاجة الطالب إلى الاستشارة الأكاديمية وبالذات فيما يتصل بنوع الدراسة واختيار التخصص.

وجود صعوبة بالغة في فهم وتفسير المنهج والخطط الدراسية.

حاجة الطالب إلى الاستشارة في الشؤون الخاصة التي تساعد على نموه العلمي.

وبعد الدراسة خرج الباحث المنقور بالتوصيات التالية:

إنشاء مراكز للاستشارة التعليمية في الجامعات تحت إدارة فريق من الخبراء والاستشاريين الأكاديميين.

أن يكون للمركز حضور أكاديمي فاعل يشجع الطلاب على الاستفادة منه ويتفهم ويستوعب خلفيات وإمكانات الطلاب الثقافية والاجتماعية والنفسية والذهنية لكي تتحقق نتائج الاستشارة.

أن يوفر المركز قنوات اتصال بين الأجنحة الأكاديمية والإدارية في الجامعة.

أن يتبنى المركز برامج وتخصصات ودراسات تتواكب مع الاحتياجات العلمية ويقترح أنواعًا من التخصصات العلمية الجديدة.

أن يساعد في حل المشكلات التعليمية ووضع البدائل والخيارات التي تساعد الطلاب على الاختيار.

أن يدرس المركز حاجات سوق العمل وإنشاء التخصصات العلمية الملائمة للاحتياجات والتي تتواءم مع رؤية 2030.

يجب أن ننظر إلى التعليم كفرصة نادرة يجب الإفادة منها على الوجه الأمثل، فهناك عنصران أساسيان لابد من توافرهما وهما: الرغبة والتخطيط.

والرغبة شيء لا يكتسب ولكنه يجب أن يكون موجودًا، ولكن القضية ليست في انعدام الرغبة إنما في بعض العوامل النفسية التي تطغى على هذه الرغبة، فتتراجع الرغبة في تثقيف النفس لتأخذ مقعدًا خلفيًا.

وأما التخطيط فلا يقل أهمية عن وجود الرغبة والعزيمة، فنحن نعلم أن الحياة من سرعة الوقع والتداخل والتشابك بحيث لا يستطيع الفرد أن يأخذها كما تجيء ويعيشها يومًا بيوم فلابد من تنظيم جوانبها وترتيب أوّلياتها بدقة.