هل يغفر الله لمرتكب الكبائر؟

19-10-2018
د. عارف الشيخ

الكبائر جمع كبيرة والكبيرة في قواميس اللغة العربية بمعنى الإثم، والكبيرة في الاصطلاح كل ذنب عظّم الشرع التوعد عليه بالعقاب أو عظّم ضرره في الوجود (انظر تفسير القرطبي ج٥ ص ١٦١ وج١٧ ص ١٠٦).
والكبائر هي الموبقات والفواحش أو أن الكبيرة درجة والفاحشة درجة، فقتل النفس كبيرة وقتل ذي رحم محرم فاحشة.
أو أن الذنوب تنقسم إلى صغائر وكبائر وفواحش (انظر البحر المحيط للزركشي ج٤ ص 267).
والمعصية ليست مرادفة للكبيرة أو الصغيرة كما يتصورها بعضهم، بل هي مخالفة أوامر الله ونواهيه صغيرة كانت أم كبيرة، فهي إذن كلمة عامة (انظر الفروق للقرافي ج ٤ ص ٦٦).
أما اللمم فمرادف للصغيرة قال الله تعالى (الذين يجتنبون كبائر الإثم والفواحش إلا اللمم) (النجم: ٣٢).
وذهب بعض العلماء كالباقلاني والجويني والغزالي والقشيري إلى أنه لا فرق بين كبائر المعاصي وصغائرها بالنظر إلى من عصى الله جل جلاله، فالقبلة المحرمة كبيرة لكنها صغيرة مقارنة بالزنى (انظر الفروق للقرافي ج ٤ ص ٦٦) وانظر تفسير القرطبي ج ٥ ص ١٥٩ وانظر الزواجر لابن حجر ج ١ ص ٥).
وقال آخرون إن الكبيرة ما شرعت عليه عقوبة منصوص عليها بشكل قاطع إما في الدنيا أو في الآخرة، أو ما وصف صاحبها بالفسق أو باللعن (انظر تبيين الحقائق للزيلعي ج ٤ ص ٢٢٢، وانظر الزواجر للهيثمي ج ١ ص ٥-٨). والكبائر وإن كانت حُصرت أحياناً في عدد معين فإن الحصر غير مقصود بعينه بل بحسب المقام أو بحسب الروايات أو بحسب تفاوت مفاسدها.
نعم... ورد حصرها في ثلاث مرة، ومرة أخرى في أربع أو سبع أو ثمان أو تسع أو عشر أو أربع عشرة أو خمس عشرة أو سبع عشرة أو سبعين أو أربعمئة وسبع وستين أو سبعمئة، وعندئذ نقول ما قال ابن حجر بأن ذلك يُحمل على المبالغة بالنسبة لمن اقتصر على السبع (انظر فتح الباري ج ١٠ ص ١٤٨).
والسؤال الذي يطرحه الكثيرون دائماً: هل ارتكاب الكبائر يُخرج المؤمن من الإيمان؟
الجواب كلا وعقيدة السلف أن مرتكب الكبيرة إذا مات قبل أن يتوب لا يحكم عليه بأنه في النار، بل يترك لمشيئة الله، ولو عوقب بالنار فإنه لا يخلّد في النار طالما كان مؤمناً بالله ومصدقاً بوعده ووعيده، ولكن الشيطان غلبه في أمره، قال الله تعالى (إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء) (النساء: ٤٨).
ولو قلنا إن مرتكب الكبيرة مع ارتكابه للكبيرة لا يفقد صفة الإيمان، فإن ذلك لا يعني أنه يبقى موثوقاً به في الدنيا.. كلا، فمثله يوصف بأنه فاقد العدالة لأن العدالة مع التقوى، فلا ثقة بقول من لا يخاف الله (انظر المستصفى للغزالي ج١ ص ١٠٠).
ويقول المالكية إن العدل من لم يفعل معصية كبيرة، أو فعل ولكنه تاب منها (انظر جواهر الاكليل ج٢ ص ٢٣٣).
فمرتكب الكبيرة رغم أنه مؤمن إلا أنه ناقص الإيمان فهو فاسق كما يقول الزركشي (انظر البحر المحيط للزركشي ج ٤ ص ٢٤٧).
ورحم الله القرافي المالكي الذي يقول «الصغيرة لا تقدح في العدالة ولا توجد فسوقاً إلا أن يُصر عليها فتكون كبيرة، فإنه لا صغيرة مع الإصرار ولا كبيرة مع الاستغفار كما يقول السلف (انظر الفروق للقرافي ج ٤ ص ٦٧).