تونس ومخاض التوازن السياسي

19-10-2018
د.إدريس لكريني

أعاد الصراع القائم في تونس بين سلطتي رئيس الدولة ورئيس الحكومة نقاشات سياسية ودستورية عميقة تعكس دينامية المشهد السياسي في البلاد، رغم الإشكالات الاقتصادية والاجتماعية المطروحة منذ رحيل نظام زين العابدين بن علي.
ظلّ رهان الكثير من النخب السياسية في تونس بعد عام 2011، على منع تكرار مظاهر الاستبداد والانفراد بالسلطة، وإرساء نظام ديمقراطي تعدّدي، وهو الأمر الذي عكسته المبادرات والمكتسبات التي تراكمت على امتداد السنوات الأخيرة، بدءاً بإحداث مجلس وطني تأسيسي، وإصدار دستور دعم الحريات والحقوق ووضع مرتكزات لحياة سياسية ديمقراطية.. وتنظيم مجموعة من العمليات الانتخابية المحلية والتشريعية والرئاسية.. ثم إطلاق تجربة العدالة الانتقالية من خلال هيئة الحقيقة والكرامة..
كما هو الشأن بالنسبة لعدد من التجارب السياسية الحديثة في عدد من الدول بكل من أمريكا اللاتينية وإفريقيا وأوروبا الشرقية، لم تخل التجربة التونسية الوليدة، من صعوبات ومخاطر، أفرزت عدداً من الأزمات السياسية المتلاحقة؛ بسبب النقاشات المتباينة، التي تنسجم والوضع التعدّدي الجديد، إضافة إلى تفجّر مخاطر الإرهاب، الذي أربك الحياة السياسية والأمنية والاجتماعية بالبلاد في كثير من الأحيان وشوّش على النقاشات البناءة بصدد مستقبل البلاد.
وعلاوة على العلاقة المأزومة، التي تربط بين رئيس الحكومة من جهة، ونجل رئيس الدولة والمدير التنفيذي لحركة نداء تونس حافظ قائد السبسي من جهة أخرى، التي يعد الكثير من المراقبين أنها عمقت الخلاف، برز خلاف واضح بين أقطاب التحالف الحكومي بصدد رئاسة الحكومة، بين حركة نداء تونس نفسها، التي ينتمي إليها الشاهد، والاتحاد العام التونسي وحركة نداء تونس واتحاد المرأة والاتحاد الوطني الحر الرافضين لاستمرار الحكومة بقيادته من جانب، وحركة النهضة والاتحاد العام التونسي للصناعة والتجارة والصناعات التقليدية وحزب المسار واتحاد الفلاحين وحزب المبادرة والتغيير المصرّين على بقائه من جانب آخر..
خلّف هذا الوضع نقاشات سياسية وأكاديمية متباينة، بين من اعتبر الأمر عاملاً مربكاً للأداء الحكومي، ومؤشّراً على هشاشة التحالف المشكّل له في مرحلة تقتضي النجاعة واليقظة، ومن رأى في الموضوع محطّة طبيعية فرضها محكّ التدبير على ضوء المستجدات الدستورية، من شأنها تطوير المشهد السياسي التونسي نحو الأفضل..
وفي الوقت الذي يصرّ فيه نجل الرّئيس حافظ قائد السبسي على ضرورة إقالة حكومة الشاهد، مبرّراً ذلك بعجز هذه الأخيرة عن اتخاذ قرارات كفيلة بتجاوز الإشكالات الاقتصادية والاجتماعية المطروحة، وبحقّه كزعيم حزب في ممارسة مهامه لمواكبة الشأن العام، يرى البعض أن الأمر لا يعدو كونه يعد توجّهاً منه إلى «استغلال نفوذه العائلي على أجهزة الدولة»، ومحاولة للتغطية على الإخفاقات التي حصدها الحزب خلال الانتخابات البلدية الأخيرة، التي تكبد فيها خسارة واضحة، قدّرت بفقدان حوالي 900 ألف صوت مقارنة بالانتخابات السابقة.
قلّل الشاهد من أهمية الانتقادات الموجهة لحكومته وأدائها، معتبراً أن هذه الأخيرة حققت الكثير من المكتسبات، سواء على مستوى تطوير نسبة النموّ الاقتصادي، أو تحسين مؤشرات السياحة والصناعة والفلاحة.. وتحقيق الاستقرار الأمني، وتعزيز جهود مكافحة الإرهاب، دون إغفال بعض القطاعات التي ما زالت بحاجة إلى بذل المزيد من الجهود.
رغم الارتباكات السياسية التي أحدثها الصراع القائم بين سلطتي الرئيسين، فإن المشهد السياسي التونسي يبدو اليوم أكثر نضجاً وحصانة ضد أية تراجعات، بعد اجتياز الكثير من المحطات الصعبة منذ عام 2011 إلى اليوم.. ويظل هذا الصراع مرحلياً، طالما ظلّ الاحتكام إلى الدستور قائماً؛ حيث يجمع الكثير من الفاعلين في تونس على أن إقالة أو تزكية الحكومة تبقى بيد البرلمان.
ويتوقع الكثير من المراقبين انطلاقاً من مخاض هذا الصراع، أن الانتخابات البرلمانية القادمة ستكون حاسمة على مستوى إرساء توازن سياسي جديد، ما زالت ملامحه لم تظهر بعد، يمكن أن يدعم بناء تحالفات أكثر انسجاماً وتماسكاً تسمح بتحويل الأزمات إلى فرص، وتتيح مواجهة الإشكالات الاجتماعية والاقتصادية المطروحة بقدر من النجاعة.

drisslagrini@yahoo.fr