ما بعد نجاح المشروع «الإسرائيلي»

19-10-2018
حافظ البرغوثي

ما بعد الصهيونية، موضوع طُرح بين المؤرخين والمثقفين «الإسرائيليين» واليهود بعد اتفاق أوسلو، بمعنى أنه بعد اكتمال المشروع الاستيطاني وقيام الدولة «الإسرائيلية» اليهودية: ما هو مستقبل الصهيونية التي حملت هذا المشروع كفكرة ثم جسدته على الأرض؟
فالمتطرفون وهم الأكثرية، يرون أن مستقبل «إسرائيل» في دولة يهودية عرقية، والمعتدلون يرون أن مستقبل «إسرائيل» في دولة ديمقراطية لجميع سكانها. من هنا يكون الخلاف حاداً بين النظرتين، لكن الغلبة كما يبدو الآن هي للأكثرية المتطرفة التي سنّت قانون القومية، الذي ينص على أن دولة «إسرائيل» لليهود، لكن ما يغيب عن الأذهان أن القانون يشمل ضمنياً أراضي فلسطين كلها، وليس المحتل منها منذ سنة 1948.
حزب الليكود برئاسة أرييل شارون، أراد فك الارتباط مع غزة أولاً، والضفة لاحقاً، بعد سلب أكثر من 60 بالمئة منها للحفاظ على ما يسمى بنقاء الدولة اليهودية، لكن الليكود وريث حركة حيروت ومناحيم بيجن، رفض وجهة نظر شارون؛ لذا اضطر الأخير إلى تشكيل حزب كديما، قبل مرضه وغيبوبته التي دامت سبع سنوات؛ إلا أن بنيامين نتنياهو، أعاد بناء الليكود ونجح في إعادته إلى الحكم تحت مظلة الفكر التوسعي الاستيطاني، ففي نظره أن المشروع الاستيطاني لا يكتمل إلا باستيطان كل الضفة، وهذا شعار يتبنّاه اليمين ككل حالياً؛ أي لا دولة أخرى بين النهر والبحر، وهو يرفض إقامة دولة فلسطينية؛ بل مجرد كيان بلا أية سيادة وكأنه يطبق الشق الثاني من وعد بلفور، الذي يطالب بإقامة دولة لليهود في فلسطين مع احترام الحقوق المدنية لغيرهم؛ أي بلا حقوق سياسية.
ورغم التفوق الصهيوني حالياً، تبرز في السياق نفسه مظاهر القلق على اليمين من المستقبل، فقبل سنوات طرحت مجلة فورين بوليسي الأمريكية سؤالاً هو: هل ستحتفل «إسرائيل» بالمئوية؟ وأجاب عليه نخبة من المفكرين وأغلبهم يهود، شككوا في احتفال المشروع «الإسرائيلي» بالمئوية.
وآخر من شكك هو رئيس الحكومة نتنياهو في أكتوبر/تشرين الأول من العام الماضي، حيث حذر من مخاطر وجودية قد تواجه دولة «إسرائيل»، وشدد على ضرورة أن تكون الدولة على أهبة الاستعداد لمواجهة ما يهدد وجودها، ليتسنّى بعد ثلاثة عقود، الاحتفال بيوم الاستقلال المئوي.
وذكر نتنياهو أن مملكة الحشمونيين عاشت ثمانين سنة فقط، وأنه يعمل على ضمان نجاح دولة «إسرائيل» هذه المرة في الوصول إلى 100 سنة.
وقال الأشخاص الذين حضروا الندوة المغلقة حينها، إن هذا التصريح يعكس ما يقلق نتنياهو الذي يفكر وينشغل كثيراً بمسألة بقاء «إسرائيل».
يذكر أن المملكة الحشمونية كانت دولة يهودية استمرت 77 عاماً، على جزء من فلسطين فقط.
وحسب المشاركين بالندوة، فإن تصريحات وأقوال نتنياهو استرعت ولفتت انتباه الحضور، وكانت غير عادية نسبياً، مقارنة بالنقاش الأكاديمي الذي أعقب الندوة الدينية، ونقلت صحيفة «هآرتس» عن مشارك بالندوة قوله عن أبرز تصريحات رئيس الحكومة: «قال نتنياهو إن وجودنا ليس بديهياً، وإنه سيبذل كل ما في وسعه للدفاع عن الدولة».
ومع تعقيدات الوضع حالياً، برزت أصوات «إسرائيلية» تحذر من أن «إسرائيل» وصلت نقطة اللاعودة، وأنها أدارت ظهرها للسلام لما في ذلك من مخاطر تهدد وجودها، رغم قوتها العسكرية. وقال المحلل «الإسرائيلي» آري شافيط، تحت عنوان: «إسرائيل» تلفظ أنفاسها الأخيرة، إنه يمكن أن يكون كل شيء ضائعاً، ويمكن أننا اجتزنا نقطة اللاعودة، ويمكن أنه لم يعد من الممكن إنهاء الاحتلال ووقف الاستيطان وتحقيق السلام، ويمكن أنه لم يعد بالإمكان إعادة إصلاح الصهيونية وإنقاذ الديمقراطية وتقسيم البلاد.
وتابع المحلل «الإسرائيلي» قائلاً: إنه إذا كان الوضع كذلك، فإنه لا طعم للعيش في البلاد، يجب مغادرة البلاد فقد انتهى الأمر، يجب توديع الأصدقاء والانتقال إلى سان فرانسيسكو أو برلين، بحسب تعبيره.
وشدد المحلل على أن القوة الوحيدة في العالم القادرة على إنقاذ «إسرائيل» من نفسها، هم «الإسرائيليون» أنفسهم، وذلك بابتداع لغة سياسية جديدة، تعترف بالواقع، وبأن الفلسطينيين متجذرون في هذه الأرض، ويجب البحث عن الطريق الثالث، من أجل البقاء على قيد الحياة هنا، وعدم الموت.
إذن، هناك نظرة تشاؤمية لدى البعض حول المستقبل، فما بعد الصهيونية سياسياً، إذا كان سيؤدي إلى تنفيذ وعد بلفور حرفياً وسلب الفلسطيني كل حقوقه وأرضه وجعله مواطناً من الدرجة السفلى، في دولة عنصرية، فإنه بالضرورة سيؤدي إلى هلاك المشروع «الإسرائيلي» ذاته في غياب حل عادل.
وفي موازاة ذلك، ظهر صوت يهودي في المجلس الثوري لحركة فتح هو العضو أوري ديفيس الأكاديمي البريطاني الذي نشط في بريطانيا أولاً لصالح الفلسطينيين، ثم انتقل إلى رام الله، حيث يعيش وطالب بالعودة إلى مشروع منظمة التحرير؛ لأنها قامت أصلاً لتحرير فلسطين المحتلة عام 1948، وبالتالي يجب المطالبة بمشروعها في مواجهة قانون القومية اليهودية، وكأنه يقول إنه في حالة فشل مشروع الدولة على حدود 1967، يجب العودة إلى مشروع منظمة التحرير.
وهذا يعني أنه في غياب أي بارقة أمل للسلام، يجب على الفلسطينيين العودة إلى نقطة البدء؛ أي فلسطين التاريخية؛ لأن هناك من يحاول تصفية القضية ككل في عصر إدارة ترامب.

hafezbargo@hotmail.com