الفاسقون الجدد!

18-10-2018

الفاسق اسم فاعل من الفعل «فسق»، والفِسْقِ هو الخروج عن الاستقامة.

والفاسق حامل الأخبار الذي حذر الله جل شأنه من أخباره العاجلة «يا أيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا»، يكون في العادة شخصا ـ أو أشخاصا ـ معروفا باسمه ورسمه.

أما الآن فإن الفاسق صاحب الأنباء لم يعد شخصا فقط، وبدا واضحا وضوحا لا يحتاج معه إلى دليل أن أكثر شيء الآن ينطبق عليه هذا التحذير الإلهي هو «وسائل الإعلام»، الفاسق أصبح قناة فضائية وصحيفة وإذاعة ووسائل تواصل اجتماعي.

والفاسق يقوم بدوره في نقل الأخبار وتأليفها، ويمكن تفهم ذلك ـ على مضض ـ في إطار «حرية التعبير» حتى لو كان هذا التعبير كذبا محضا، فهذه مهمته وصنعته. لكن في المقابل فإن الناس وهم الذين يتلقون الأخبار ولا معنى لأخبار الفاسق في غير وجودهم لا يقومون بما هو مطلوب منهم، وهو «التثبت».

فالله لم يوجه تحذيره للفاسق أن يكف عن نقل الأخبار، ولكنه حذر المتلقي من الركون إلى تلك الأخبار واعتبارها حقائق لمجرد أنها قيلت.

لم يعد الفاسق صاحب الأخبار العاجلة مجرد ساذج يبدأ قصته الإخبارية بعبارة «ألم تعلموا؟ أو ما دريتوا؟ أو ما علمتكم؟! ثم حين تأتيه الإجابة بالنفي يبدأ في سرد قصته التي قد تكون كلها كذبا محضا، وقد تكون مجموعة من أكاذيب مبنية حول حدث حقيقي.

الفاسق الآن ليس ساذجا، بل يختار الكلمات بعناية، يبث أخبارا صحيحة لتمرير أكاذيبه في ثناياها، ويبحث عن المصطلحات الأقوى تأثيرا، ويدفع الأموال للبحث والدراسة عن أساليب أقوى وأسهل في الوصول إلى عقل المتلقي الذي يرهقه عناء «التثبت». أصبح الفسوق الإخباري علما قائما بذاته.

هل يبدو أني أتحدث عن موضوع بعينه، وذهب تفكيرك وأنت تقرأ هذا الكلام إلى قنوات بعينها؟! أنت محق في هذا، ولكني أتكلم أيضا بشكل عام. لا تصدق أحدا قبل أن تتبين، لأنك لا تملك من الأساس قائمة بالفساق الذين يجب أن تتبين وتتثبت حين يصفعونك على وجهك وعلى حين غرة بكلمة «عاجل».

والإنسان ميال في الغالب إلى تصديق الأخبار الغريبة، ولذلك يقال «أنه لا دخان من غير نار»، ويحاول إقناع نفسه أنه لا أحد سيتكبد عناء تأليف خبر لم يحدث، مع أن الأمر ليس فيه عناء. لكن التصديق أسهل بكثير من التثبت والبحث عن الحقيقة، والإنسان أيضا يحب الأشياء السهلة إذا كانت مطروحة ضمن خيارات أخرى ليست سهلة بما يكفي.

وعلى أي حال ..

قد يقول قائل ويسأل سائل: وماذا إن كنت لا أعرف الحقيقة يقينا ولا أستطيع الوصول إليها؟

ونقول للسائل الكريم : في هذه الحالة فإن أبسط ما يجب عليك فعله أن تقول: أنا لا أعرف الحقيقة ولا أستطيع الوصول إليها. الأمر سهل كما ترى!

agrni@