أنتَ طالق

18-10-2018

اتجهت إلى المحكمة كما اعتادت بين كل فترة وأخرى خلال السنة الأخيرة لمتابعة قضية الخلع التي رفعتها منذ ما يزيد على العام. تذهب مرات من أجل الجلسات، ومرات أخرى من أجل المتابعة والسؤال عن سير القضية وأي جديد، وذلك لعدم وجود نظام الكتروني يقوم بذلك. ضربات قلبها عالية جدا حتى حسبت أن الجميع يسمعها وليس هي فقط، فهي تعبة، نعم تعبة من كل هذا الضغط ومن كل هذا العناء ومن كل هذا الاستنزاف المادي والنفسي من أجل قضية خلع أخبرها المحامي حين استشارته في البداية بأنها مسألة إجرائية لن تأخذ أكثر من ثلاثة إلى أربعة أشهر.

وها هي الآن تكمل عاما كاملا، ولكن الحمد لله أخيرا قبل شهرين بت القاضي في القضية بالخلع لها من زوجها الذي هاج وصرخ وتطاول على القاضي وعلى الدين وعلى المحكمة، وهدد وتوعد بأنها لن تتخلص منه طوال حياتها، وأنه لن يدعها في حالها وسيستأنف الحكم. وقد قام بذلك بالفعل وللعجب رغم كل ما فعل قبل استئنافه! رغم كل الفظائع التي ارتكبها في المحكمة والتطاول على القاضي. ورغم أنه مستمر في التخلي عن مسؤولياته، ومستمرة هي كعادتها بدور المعيل والمربي والمسؤول عن أولادها رغم كل الظروف، بالإضافة إلى ضغوطات متابعة القضية.

وها هي اليوم كالعادة تراجع المحكمة حتى تعرف آخر المستجدات، فالمحامي وجميع من سألتهم طمأنوها بأنه من المستحيل أن يقبل الاستئناف، لذا فالموضوع إجرائي، وبالتالي فهي بالتأكيد ستتسلم إشعارا بسريان حكم القاضي بالخلع وتنتهي أخيرا من هذا الفصل المؤلم من حياتها، لتفاجأ بأنه تم قبول الاستئناف، وبأن عليها العودة للجنة إصلاح ذات البين وما يتلوها من إجراءات. وهنا سقطت منهارة وهي تشعر بحريتها في الاختيار التي كفلها الله لها تصادر وتنتهك. ووجدت نفسها تنشج «وهل بقي في العمر والصحة والنفس من جلد ما يكفي للبدء من جديد؟».

يا إلهي ما أبشع المفارقة بين حال الرجل وحال المرأة حين الرغبة في الطلاق. فالرجل بكل بساطة يقول «أنتِ طالق» أو للإسراع بالأمر يتوجه وأمامه درب مفروش بالسلاسة والأنظمة الواضحة ليطلق زوجته أمام القاضي ويتسلم صكا في اللحظة نفسها، ليخرج من مبنى المحكمة حرا من الارتباط السابق وعواقبه ومسؤولياته، وحرا لبدء بداية جديدة دون أي متطلبات أو معوقات.

ولا يهم إن كانت تلك المرأة التي طلقها ترغب بالطلاق أم لا! وما هي العواقب المادية والمعنوية التي ستقع على العائلة في هذه الحال. أما المرأة في حال طلبها للطلاق تصبح دون أي فرصة للشرح «مذنبة وآثمة وناقصة عقل».

نعم لا مبرر للمرأة أن تطلب الطلاق إذا لم يكن هناك سبب مقبول اجتماعيا (الضرب، السُكر، المخدرات)، وليس من المقبول أن ترغب بالانفصال عن رجل لا يرغب بالانفصال عنها لمجرد أنها لا تريد العيش معه وأبت نفسها عشرته. نعم سينظر لها القضاة باستنكار ويخبرونها أنها مجنونة وأنها بالتأكيد مسحورة وتحتاج للرقية (استنادا على مواقف حقيقية). ونعم ستدور معاملتها حول نفسها وستدور هي حول نفسها معها.

إنسانيا، وشرعيا، ودينيا، وأخلاقيا نحتاج قانونا للأحوال الشخصية. فكما قال أحد المفكرين «نحن في عالمنا هذا قد لا نملك أن نحقق العدالة المطلقة، ولكننا نملك أن ننفذ القانون»، نعم نحتاج قانونا واضحا، محدثا لظروف عصرنا، وثابتا يحمينا جميعا من الآراء الرجعية والإسقاطات الشخصية التي تتحكم في مسارات القضايا، ضاربة برغبات الناس، ومصالحهم، وحياتهم عرض الحائط. وقال مفكر آخر «تأخير العدل هو انعدام للعدل»، مما يعني أننا نحتاج أن ينظر في القضايا بسرعة، وألا تؤجل وتؤخر، فتخر حجة المدعي، وتقوى شوكة الظالم وتعوم الحقائق.

أخيرا، قال الله تعالى في كتابه الذي هو مصدر تشريعاتنا «وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل»، والناس تعني الرجل والمرأة. لذا اتقوا الله ولا تفرقوا في الإجراءات والقوانين بين رجل وامرأة.