هل البوذية ديـن؟

17-10-2018

خلال جولاتي في شرق آسيا لاحظت شيوع نوع من الهدوء والسكينة في المجتمعات البوذية التي يتجاوز عددها اليوم 500 مليون إنسان.. وأعتقد أن السر يعود إلى أن معظم الناس «خصوصاً الفقراء» يعتقدون أن المصائب التي يعيشون فيها «الآن» هي نتيجة لكارما سيئة أو أفعال ظالمة اقترفوها في حياتهم السابقة.. وفي المقابل يخشى الأثرياء «في حياتهم الحالية» فعل ما يجلب عليهم كارما سيئة أو عودتهم لاحقاً في جسد مريض أو حياة بائسة!!

فالبوذيون مثل الهندوس «وبقية الديانات الهندية الدارمية» يؤمنون بفكرة تناسخ الأرواح، وأنها تنتقل من جسد لآخر بعد كل وفاة.. واليوم يعتقد البوذيون أن روح بوذا نفسها خالدة تتناسخ بلا نهاية في عدة أجساد.. ففي النيبال مثلاً «حيث ولد بوذا» يُعتقد أن روحه تظهر دائماً من خلال جسد الدلاي لاما الزعيم الروحي للتيبت.. فبعد وفاتـه تنتقل روحه لتحل في طفل بوذي يولد في نفس اليوم فيصبح الدلاي لاما الجديد.. وفي بعض الدول الآسيوية يسود اعتقاد أن هناك ستة أشخاص على الأقل يسمون بوذا تناسخوا في عدة أجساد قبل ظهور بوذا المعروف «قبل 2581 عاماً» وأن هناك بوذا آخر سيظهر في المستقبل يدعى مايتريا..

والحقيقة هي أن بوذا نفسه لم يدّعِ أنه خالد أو سيعود لاحقاً في جسد آخر.. لم يدّعِ أنه نبي ولم يتحدث عن وجود إلـه - ولكنه كان يدعو أتـباعه للتفكير في هذا الموضوع.. جاء في الكتابات البوذية نفسها أنه سئل: هل أنت إلـه؟ قال: لا. فسألوه: هل أنت ملاك؟ قال: لا. قالوا: إذاً أنت نبي؟ قال: لا. قالوا: إذاً من أنت؟ قال: أنا مستنير استيقظ من غفوته..

أذكر أنني سألت كاهناً بوذياً في فيتنام عن بوذا هل هو إله أم نبي؟ فقال: ليس إلهاً ولا نبياً بل رجلاً حكيماً.. فسألته: ولماذا تعبدونه؟ قال: لا نعبده بل نبجله.. قلت: هل تؤمنون إذاً بوجود إله؟ قال: لا نعرف ولم يخبرنا بوذا بما يعرف.. قلت: إذاً من تعتقد أنه خلق البشر والكون كله؟ قال مرة أخرى: لا نعرف ولم يخبرنا بوذا بما يعرف.. وقلت: ولماذا لم يخبركم بوذا بما يعرف؟ قال: كي يترك للناس فرصة التفكير في كل هذه الموضوعات.

ومن كل هذا ندرك أن البوذية «ليست ديناً» رغم مظاهر تأليه بوذا التي نراها هذه الأيام.. ليست ديناً؛ لأنها لم تتحدث عن وجود إله أو خالق، ولا جنة ولا نار، ولا بعث أو حساب، ولا تملك كتاباً معيناً أو تعاليم سماوية مقدسة.. مجرد فـلسفـة فكرية تدعـو لعمل الخير، وتقبل المعاناة، وإدراك حقيقة الحياة من خلال التفكير والتأمل..