انقلاب

17-10-2018

(توصية.. تقرأ في الورقية كي تقرأ على مهل.. وفي لحظات استرخاء)

وللحرف مزاجات. يلتزم ساعة بالاستكانة داخل إطار، وسرعان ما يتمرد. لا يحتمل الاستقرار على الأرض كثيراً. في لحظة، يتخيل نفسه ,Jonathan Livingston Seagull) بطل رائعة Richard Bach) محلقاً في سماء بلا حدود، ثائراً على أحكام القبيلة. ليتحول سمكة تراوغ طيراً من طيور البحر يبحث عن طعام، ينطلق بمقدمة طائرته صوبها، يطلق العنان لمخالبه محاولاً الفوز بها، ولكن هيهات.

ومابين البحر والسماء، يقضي الحرف أسعد أوقاته وأغناها، وربما أكثرها جنوناً؛ مردداً مقولة أنتوني كوين بصوت زوربا اليوناني: "يحتاج المرء قليلاً من الجنون وإلا لن يجرؤ أبداً على قطع الحبل ويتحرر". ولينتهي المقام به في يوميات مبعثرة. القديم منها في دفاتر نصف مأهولة، وحديثه يسكن ملفات الآيباد واللاب توب. كثيرها مجرد خربشات على جدار الذاكرة، و"الفلسفي" منها يستوقفني للتأمل والتساؤل: من أين له بهذه التصاوير؟

ومنها نبش مقال اليوم..

تسابيحُ عقل ٍ.. وترانيمُ روح

العلم عبادة.. ورياضة فكرية وروحية. معها يصبح العلم تسابيح عقل وترانيم روح! هكذا أراه في وجدان العالِم.

هنا تبدو لي كل الحدود الفاصلة بين تسابيح العقل، ومناجاة الجبل، وهدير الموج، وصفير الريح.. تبدو كلها حدوداً واهية.. تتلاشى، فتعود إلى الأصل.. كلاً متكاملاً.

هل هذه هي اللحظة التي يتخطى فيها العقل ذاته ليرى خارج حدوده وأبعاده؟ أم أن للوعي أداة أخرى للمعرفة تتخطى آفاق الحس والعقل. أو كما يقول الإمام الغزالي في (المنقذ)".. وراء العقل طور آخر تتفتح فيه عينٌ أخرى، العقل معزول عنها.. كعزل قوة الحس عن مدركات التمييز.."

أم أنها مجرد لحظةِ تمددٍ واحتواء الروح للوجود؟

أو ليس الوجود بكليته في داخلنا ينتظر لحظة اكتشاف.. لحظة إضاءة؟! ينتظر لحظة فوضى انقلابية، تتلاشى فيها الفواصل الداخلية والأدوار؛ فيعقل القلب.. ويتعاطف العقل ويحب ويعشق.. وتتداخل أدوار السمع والبصر والفؤاد؟

هل هذا ما تعبر عنه إيقاعات رقصة الدراويش، تعبر عن حالة من الانقلاب الداخلي! رغم أنها إيقاعات مدروسة متسقة ومنتظمة؟

رقصة الدراويش !!

هل هي المحفز أم التعبير؟ هل هي المثير أم المثار؟

هل هي السبب أم النتيجة؟

هل هي أداة الانقلاب الداخلي أم محصلته النهائية إلى حين؟

يبدو أن كل الرياضات الروحية تنتهي (بوعي أو بلا وعي منا) إلي تفكيك المنظومة الداخلية، وإحداث خلل في توازنها لإعادة تشكيلها، بتحريرها من السلطان المتوارث للنقل والعقل معا!!

العلم تكليف.. العلم عبادة. وكل عبادة تفاعل.. وكل عبادة تحتاج إلى صدى.

إنه النبض الذي يبقينا أحياء.

فعالم بلا صدى هو عالم وحيد.. عالم لا نبض فيه ولا حياة!