بابلو نيرودا وريتشارد نيكسون

18-10-2018
يوسف أبو لوز

لم أجد شاعراً «وضع رأسه برأس رئيس أمريكي»؛ أي عانده وهجاه، مثلما فعل الشاعر التشيلي بابلو نيرودا (1904 1973) تجاه الرئيس الأمريكي الأسبق ريتشارد نيكسون (1913 1994)، الذي يرتبط اسمه بواحدة من أشهر فضائح التاريخ أطلق عليها «ووتر جيت»، ولكن عداوة نيرودا للرئيس السابع والثلاثين للولايات المتحدة الأمريكية، تعود لأسباب أخرى من بينها تلك التي أثارت غضب الشاعر حين أصدر نيكسون أوامره عقب إبرام اتفاقيات وقف إطلاق النار في فيتنام، بالقيام بعمليات قصف جوي «لم يعرف تاريخ العالم أكثر فظاظة وتدميراً وجُبناً منها»، بالحرف، كما يقول نيرودا في مقدمة كتابه الصغير «آخر الأشعار»، من ترجمة الطيب الرباحي.
ولكن هل يكفي هذا الأمر وحده لإثارة غضب شاعر إنساني في الدرجة الأولى يمتلئ شعره بالحب والشفافية، التي تتقاطع مع عنفه الشعري في هذه المجموعة المكرّسة كلّها ضد رئيس جاء إلى الإدارة الأمريكية مَنْ هو أسوأ منه على الأقل بالنسبة لنا نحن العرب. إذاً، هناك الثورة التشيلية التي يدافع عنها نيرودا، فيحث كما يقول على إبادة نيكسون والإشادة بالثورة.
يبدأ نيرودا بما سمّاه الابتهال إلى الشاعر الأمريكي والت ويتمان، وكمدخل للانقضاض على الرئيس، يخاطب نيرودا شاعره أو «صديقه» ويتمان قائلاً: «من بلادي، وبدافع حبّي لها، أناديك، أنت، أخي الذي لا غنى عنه، أيها المحترم والت ويتمان، ذو الأصابع الرمادية، إذْ بمساعدتك الخارقة، وببيت إثر بيت من الشعر نبيدُ نيكسون، هذا الرئيس السفّاح».
في مكان آخر يقول نيرودا: «كنا نسمي نحاسنا تشيلياً لأنه كان يولد من سواعدنا التشيلية؛ إذْ إن أرضنا وجبال «الأنديس» حُبلى به. بهذه الشمس الجوفية بنحاسنا المشحون دون مقابل إلى قراصنتنا الأمريكيين الشماليين».
كما هو معروف يكتب نيرودا شعراً كونياً، كما لو قُدَّ من الحجر والمعادن، لكنه في الوقت نفسه شعر الدخان والغيوم والعشب، يكتب بشراسة ضد الطغاة ومستغلّي الشعوب وقتلة الحياة، لكنه في الوقت نفسه يصبح مثل العسل الذائب في الماء عندما يكتب في الحب.
لكن هذا الشاعر الذي ملأ زمانه بما يشبه الصخب، ولكنه الصخب الخفيف المقبول، هو دائماً رجل مواقف، ومن أنبل مواقفه ما قاله ضد الإرهاب الذي يفرّخ اليوم جيوب الظلام والعنف والتعصب، ويعتبر نيرودا أن نتائج الإرهاب مثل «البومرنجات»، و«البومرنج» كما يعرّفه المترجم سلاح خشبي أسترالي قديم يُرمى به فيعود إلى قاذفة.
الإرهابي بالنسبة إلى نيرودا، جبان وفيه وحشية متأصّلة، وهذا رأيه الذي صرّح به في عام 1973، وإلى اليوم لم يتغير شيء: كل إرهابي هو وحش، وفي الدرجة الدنيا: جبان.

yabolouz@gmail.com