إبحار عكس التاريخ

18-10-2018
فيصل عابدون

في إثيوبيا تسلم أبي أحمد رئاسة الحكومة وهو شاب في الأربعينيات من عمره. ونجح الزعيم الشاب في فترة قياسية في إحداث نقلة مدهشة في الواقع السياسي والاجتماعي لبلاده وكان من أبرز إنجازاته اتفاق السلام مع الجماعات المسلحة في إقليم الاورومو والتسوية التاريخية مع الجارة إريتريا. كما شكل أبي أحمد في خطوة غير مسبوقة حكومة جديدة نصف وزرائها من النساء وتسلمت فيها عائشة أحمد منصب وزير الدفاع.
أما في ليبيريا التي شهدت أشد الحروب الأهلية وحشية فقد تسلم نجم الكرة الشهير جورج ويا مقاليد السلطة بعد انتخابات رئاسية نموذجية وفي أعقاب عملية إصلاح سياسي متدرج جاء في آخر مراحله بإلين جونسون سيريليف، الحائزة جائزة نوبل للسلام، رئيسة للبلاد قبل تسليم المهمة للزعيم الشاب جورج ويا بعد فوزه عليها في انتخابات الرئاسة. ولا شك أن مرحلة من الإنجازات الكبيرة تنتظر ويا الذي حاز ثقة مواطنيه في اقتراع حر اتسم بالشفافية والنزاهة.
ويمثل الزعيمان الشابان في إثيوبيا وليبيريا موجة جديدة من القيادات الشابة التي تكشف بدورها حالة من الحيوية السياسية تجتاح القارة الإفريقية بأسرها وتعكس الرغبة الجامحة للشعوب في التغيير والخروج من قمقم النزاعات القديمة والموروثة والانتقال إلى المرحلة التالية من التطور والنمو والنهضة. وهي موجة عاتية حقاً بل هي حتمية تاريخية حان أوانها ولا يمكن بأي حال عكس مسارها أو وقف تدفقها.
ولكن لا يسير كل شيء بنفس الاتجاه في كل أنحاء القارة السمراء، فهناك قيادات قديمة متشبثة بالبقاء وسط موجة التحولات السريعة . ففي الكاميرون الواقعة في وسط إفريقيا حيث تهيمن مناخات الجمود المغايرة للحداثة على الواقع السياسي على حساب التطلعات المستقبلية المتفائلة والطموحة، خاض الرئيس المنتهية ولايته بول بيا البالغ من العمر 85 عاماً غمار السباق الرئاسي للفوز بولاية سابعة في سدة السلطة.
وبينما لا يتوقع المراقبون وجمهور الناخبين أية مفاجآت في نتائج الانتخابات المحسومة سلفاً لمصلحة الرئيس المنتهية ولايته،فإنه يجدر القول إن الكاميرون على وجه الخصوص أشد الدول حاجة إلى اللحاق بموجة التغيير التي تجتاح القارة. فهذا البلد يعاني مشكلات الفقر الناجم عن الفساد وسوء الإدارة الحكومية كما يعاني تداعيات الحرب الأهلية والنزاعات الانفصالية في المناطق الناطقة بالإنجليزية في شمال غرب وجنوب غرب البلاد. وهي مهددة بانفجار أعمال العنف في عاصمتها أيضاً بعد تهديدات المعارضة برفض نتائج الانتخابات بسبب عمليات التزوير والترهيب التي مارستها الحكومة.
وبول بيا الذي حكم الكاميرون 35 عاماً ولا يزال يسعى لفترة جديدة في السلطة والذي سيصل عمره في نهايتها الى 92 عاماً، هو واحد من مجموعة الزعماء المسنين الذين يمثلون المدرسة القديمة في السياسة الإفريقية، وهي مجموعة يتناقص عددها وتأثيرها باستمرار مع بروز التيارات الجديدة من الزعماء الشبان الممسكين بزمام المبادرة والحائزين ثقة الشعوب. فهو يمثل جيلاً يرفض بعناد مغادرة المسرح رغم انتهاء دوره المرسوم وانصراف الجمهور عنه وهذا الجيل، ويصر على السباحة عكس تيار الحداثة الجارف.

Shiraz982003@yahoo.com