«إسرائيل» والحرب المؤجلة

18-10-2018
يونس السيد

بين عشية وضحاها، تراجع قرع طبول الحرب وتراجعت معه نبرة التهديدات «الإسرائيلية» بشن عملية عسكرية ساحقة في قطاع غزة، لتحل مكانها نغمة أخرى تحمل الكثير من القلق حول عدم جاهزية جيش الاحتلال والبحث عن تبريرات لهذا التراجع تحت غطاء إعطاء فرصة لعملية التهدئة التي تقودها جهات إقليمية وأممية.
التبريرات «الإسرائيلية» لتأجيل إشعال الحرب انصبت كلها على الخوف من حدوث انفجار بشري في القطاع على خلفية انهيار الأوضاع الإنسانية، والدخول في مواجهة أخرى مع المجتمع الدولي بسبب الانتقادات العنيفة التي سيوجهها لجيش الاحتلال وآلته التدميرية وما ستخلفه من خسائر هائلة في صفوف المدنيين. لكن ما حدث داخل المجلس الوزاري المصغر قبل أيام قليلة، يكشف عن أسباب أخرى مغايرة، تتناقض مع التصريحات النارية التي أطلقها رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو ووزير الحرب أفيجدور ليبرمان بتوجيه ضربة قاسية جداً إلى القطاع من شأنها أن تعيد الهدوء إلى المنطقة سنوات عديدة. ما حدث في المجلس المصغر هو أن الجيش اعترض على شن حرب جديدة في غزة لعدم جاهزيته لخوضها، وخصوصاً القوات البرية، قبل نهاية عام 2019، ورفع توصية بذلك إلى القيادتين السياسية والعسكرية حتى يتم اكتمال بناء العائق الذي سيحيّد أنفاق غزة. هذه التوصية تتناقض مع تقرير قدمه رئيس الأركان غادي آيزنكوت في جلسة سابقة يتحدث عن جاهزية الجيش للحرب، لكنها تتوافق مع تقرير آخر، وصف بأنه سري، قدمه في الأسابيع الأخيرة مفوض شكاوى الجنود في جيش الاحتلال الجنرال إسحاق بريك، ودق فيه ناقوس الخطر من عدم جهوزية جيش الاحتلال لا سيما «سلاح البر» فيه، وتضمن التقرير، بحسب التسريبات، تحذيرات من عيوب عديدة، بينها غياب الشفافية في المراقبة، وعدم تمرس القوات البرية بما يكفي لخوض الحرب، وتراجع الحوافز للخدمة في الوحدات القتالية، وهروب الأدمغة من الجيش، والنقص في مخازن الطوارئ.. وغيرها، ما أدى إلى اشتعال السجال في «إسرائيل»، خصوصاً لجهة الحديث عن القوة التدميرية الهائلة التي يملكها «سلاح الجو» وسلاح الصواريخ، والتي تم الرد عليها بأن من يحسم الحرب هو القوات البرية في نهاية المطاف.
بطبيعة الحال، لم يكن عامل «توازن الردع» والقوة الصاروخية لفصائل المقاومة التي أصبحت أكثر دقة وتمثل قدرة تدميرية أيضاً، غائباً عن هذا السجال، ولا عن طاولة اجتماعات المجلس الوزاري المصغر، بل كان حاضراً بقوة ليشكل قلقاً إضافياً للقلق الناجم عن عدم جاهزية جيش الاحتلال. لكن حتى في التهدئة التي يبحث عنها الطرفان، ثمة تناقض في الأهداف، فبينما يسعى الاحتلال إلى تهدئة تبقي الحصار وتوقف مسيرات العودة واقتحامات الحدود، يريد الطرف الفلسطيني تهدئة تؤدي إلى رفع الحصار من دون تقديم تنازلات جوهرية، ومع ذلك، يبدو أن لا مصلحة لكلا الطرفين في الدخول في مواجهة عسكرية جديدة.

younis898@yahoo.com