عودة «الجيداي» الأخير

18-10-2018
كمال بالهادي

يبدو أنّ زمن حرب النجوم، لم يكن مجرّد خيال علمي أو سينمائي، سعت من خلاله الولايات المتحدة، إلى إطلاق عنان مبدعيها، لتصوّر ما يمكن أن تبلغه الحرب مع الاتحاد السوفييتي إبّان الحرب الباردة، فهناك سباق تسلّح فضائي، أعطت روسيا والصين إشارة انطلاقه، و تعهّد الرئيس ترامب، بأن تسيطر بلاده على الفضاء..
فمنذ أيّام أعلن ترامب عن أنّ البنتاجون يعمل حاليّا على إنشاء قوات فضائيّة، ستكون مهمّتها السيطرة على الفضاء ومنافسة الصين وروسيا في هذا المجال. وقال ترامب في خطاب ألقاه في ولاية كنتاكي«بموجب تعليماتي، يعمل البنتاجون حالياً على إنشاء الفرع السادس للقوات المسلحة الأمريكية - القوات الفضائية». و قال ترامب إن الولايات المتحدة تمتلك أفضل العقول وأفضل الأسلحة ما سيمكنها من السيطرة على الفضاء.
وفي ما يبدو أنّه استباق للحروب الجديدة، تم إحياء سلسلة حرب النجوم بعناوين موحية ودافعة لقراءة مستقبل الحروب في العالم، خاصة وأن السينما الأمريكية لم تكن تخرج عن السياق الثقافي الذي يرسم معالم القوة الأمريكية، فالفيلم الأخير من سلسلة حرب النجوم الجديدة، عنوانه «عودة الجيداي الأخير»، وهو يقدّم رؤية مغايرة عن سياقات الصّراع وعن أدواته في المستقبل. الأهم في هذا الفيلم الذي صدر منذ نحو سنة أن بطله يحرق كل التعاليم القديمة بما أنّها فقدت الصلاحية، ولم تعد قادرة على الإجابة عن أسئلة المستقبل. و هكذا هي حروب المستقبل، فمجالات السيطرة، انتقلت اليوم من الأرض إلى الفضاء، وسباق التسلّح لم يعد ذاك السباق على التسلّح القديم، بل إن مجال الفضاء، هو ساحة الحرب المقبلة، إنها حرب النجوم الحقيقية وليست السينمائيّة بين «امبراطوريّة تنتقم»وأخرى تريد أن تنهض. و قد لخّص ترامب غاية الولايات المتحدة من إنشاء القوّة الفضائية الجديدة، حيث قال «الولايات المتحدة تهدف إلى الزعامة في الفضاء ولا تريد أن تسير بجر قدميها في مؤخرة روسيا والصين.»
الردّ الأمريكي يأتي بعد خطوات قطعتها روسيا في مجال إنشاء القوات العسكرية الفضائية والتي أسندت إليها مهمّات القوات الفضائية التي تعالج مجالا واسعا ومتنوعا من المهام وأهمها: رصد الأجسام الفضائية والتهديدات الموجهة ضد روسيا في الفضاء ومنه، وعند الضرورة صد هذه التهديدات.و تزويد الإدارة العليا بالمعلومات الموثوق بها عن رصد إطلاق صواريخ باليستية والتحذير عند وقوع أي هجوم صاروخي.
وفي ظلّ هذا السباق العسكري الصريح بين موسكو و بكين من جهة وواشنطن من جهة أخرى، يمكننا القول إنّ حرب النجوم لم تعد مجرّد فكرة سينمائية أو خيال علمي، بل باتت حقيقة، يراها المراقبون ضرورة لحماية الأمن القومي في هذا البلد أو ذاك، فمن سيسيطر على الفضاء، سيتمكّن من إخضاع كل الأعداء في الأرض مستقبلا. رئيس وكالة ناسا الأمريكية قال إنّ خطط الرئيس الأمريكي لإنشاء قوات فضائية هو أمر ضروري لحماية الأرض، فيما أعطى مايكل بنس نائب الرئيس بعداً دينياً، فكأنّ هذه القوات التي سيقع إنشاؤها ستكون ذات «رسالة إلهية» لحماية الأرض من الأعداء. و معروف أن بنس هو من المحافظين، الذين دفعوا الرئيس الأمريكي السابق جورج دبليو بوش لغزو العراق و احتلاله تنفيذاً «لرسالة إلهيّة»، كما قال في أحد خطاباته.
سباق التسلح الجديد، بين القوى العظمى، ستسعى أوروبا للحاق به، و ستعمل بروكسل على ألاّ تغيب عن هذا الصراع، حتى تحافظ على أمنها القومي، في ظل التمدد الروسي الذي يزعجها، وفي ظلّ عدم وضوح الرؤية في العلاقة مع الرئيس ترامب، الذي جعل العلاقة بين بروكسل وواشنطن فاترة. و في الطّرف الشرقي الآسيوي، ستسعى دول ذات مستوى تكنولوجي عال، إلى الانخراط في هذا السباق الذي سيمّكن دول العالم من إعادة التموقع في عالم «حرب النجوم». أما العرب فسيظلون خارج منطق التاريخ، و سيظلون يتباكون على ماض لن يعود إلا بالاستثمار في العلم، و باستغلال ملايين العقول المهجّرة في أكثر الأحيان، و ملايين العقول الأخرى الهائمة على رصيف البطالة والتهميش. إن إنشاء القوات الفضائية الأمريكية والرغبة في السيطرة على الفضاء، هو عنوان الحرب المقدّسة القادمة، فأين نحن منها؟

belhedi18@gmail.com