متى تكون الواسطة أمراً مقبولاً؟

17-10-2018

د. عبدالله راشد السنيدي

الواسطة أو المحسوبية بعكس النزاهة أو المساواة أو العدالة، ويقصد بها طلب العون والمساعدة في إنجاز أمر يقوم به شخص له نفوذ بهدف تحقيق المطلوب لشخص آخر لا يستطيع أن يحقق مطلوبه بنفسه.
والواسطة ليست سيئة في جميع الأحوال، بل قد يكون منها الإيجابي وقد يكون منها السلبي والتعريف آنف الذكر للمحسوبية ينطبق على المحسوبية أو الواسطة السيئة والمحسوبية الإيجابية معاً،إلا أن الفرق بينهما في ضوء هذا التعريف يحدده الهدف من التدخل لمساعدة شخص آخر في تحقيق مطلبه.
فالمحسوبية أو الواسطة السيئة أو السلبية هي التي تؤدي إلى انجاز معاملة أحد الأشخاص أو منحه أيا من الحقوق على حساب غيره، أي أنه يوجد من هو أحق منه في هذين الأمرين، ومع ذلك فإنه يحصل على هذا الحق متجاوزاً الآخرين ومخالفاً الأنظمة التي تحكم الموضوع.
أما المحسوبية أو الواسطة الإيجابية فهي مساعدة أحدهم للحصول على أمر يستحقه، أو مساعدته على إعفائه من شرط لا يجب عليه الوفاء به، ولكن الجهل بالأنظمة من المعنيين أو من المعني نفسه أو الإهمال الإداري أو المحسوبية السلبية هي التي أدت إلى عدم وصوله إلى حقه، لولا تدخل من ساعده وأوضح له الحقيقة التي تخص موضوعه.
والمحسوبية الإيجابية لا تتعارض مع الشريعة ولا النظام، بل إنهما يدعوان إلى تطبيق النظام على الجميع بالشفافية والمساواة، فالشريعة الإسلامية لم تهمل هذا الأمر، فهي مع المحسوبية الإيجابية {مَنْ يَشْفَعْ شَفَاعَةً حَسَنَةً يَكُنْ لَهُ نَصِيبٌ مِنْهَا}الآية (85) من سورة (النساء).
وضد المحسوبية السلبية {وَمَنْ يَشْفَعْ شَفَاعَةً سَيِّئَةً يَكُنْ لَهُ كِفْلٌ مِنْهَا وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ مُقِيتًا} الآية (85) من سورة (النساء).
وفي مجال المحسوبية السلبية حذرت الشريعة الإسلامية من شغل الوظائف العامة،وبالذات الوظائف العليا والقيادية بالمحسوبية، يقول سيد البشرية محمد صلى الله عليه وسلم: “من ولي من أمر المسلمين شيئا فولى رجلا وهو يجد من هو أصلح للمسلمين منه فقد خان الله ورسوله”. وذلك لأن المحسوبية السلبية في هذا الشأن تؤدي إلى شغل تلك الوظائف بسبب القرابة أو الصداقة، أو لأن من يراد شغل الوظيفة به ينتمي إلى منطقة أو محافظة معينة ونحوهما من تلك التي ينتمي اليها صاحب القرار، أو من له تأثير على قراراته، في حين أنه يوجد من المواطنين الآخرين من هو أولى وأكفأ وأكثر استعدادا علمياً وعملياً لشغل تلك الوظائف.
أما القانون أو النظام فإنه دائماً يأتي بقواعد مجردة تطبق على الحالات وليس على الأشخاص، أي أن مبدأ العدالة والمساواة هو الذي يحكم هذه القواعد وتطبيقها.
والمحسوبية منتشرة مع الأسف في الدول النامية،ومنها الكثير من الدول العربية،حيث أصبحت الواسطة أو المحسوبية السلبية ثقافة مستقرة وتنتشر في مجتمعات هذه الدول كانتشار النار في الهشيم، إذا أنه كلما كان لأي مواطن في الدول النامية أي مصلحة أو معاملة في أي جهة حكومية أو أهلية تراه في البداية يبادر للتواصل مع شخص يعرفه هو أو يعرفه أحد أقاربه أو أصدقائه في تلك الجهة لمساعدته في انجاز معاملته،مع أن معاملته قد لا تتطلب مثل هذه المساعدة،وأنها سوف تأخذ مجراها حتى النهاية،وسبب ذلك ربما يعود للجهل وقلة الوعي أو لأسباب اقتصادية أو لضعف الوازع الديني، بخلاف الدول الغربية حيث تقل مظاهر المحسوبية فيها، وان كانت غير معدومة نهائياً،ففي الولايات المتحدة مثلاً قيل بأن تصرف الرئيس جون كيندي بتعيين أخيه روبرت كنيدي مدعياً عاماً يندرج في المحسوبية،كما أن وصول جورج دبليو بوش للرئاسة في الولايات المتحدة مع قلة خبرته بسبب تأثير والده الرئيس السابق جورج بوش، وقد أدى وصوله للرئاسة بسبب المحسوبية السلبية إلى تدهور الاقتصاد الأميركي بل والاقتصاد العالمي بسبب الحروب التي خاضتها الولايات المتحدة في عهده من دون مبرر، رغم كثرة الناصحين له بالعدول عن ذلك، وهو الأمر الذي جعل خليفته باراك أوباما يحجم عن التدخل العسكري في الأزمات الدولية،وإن كانت محقة وتتطلب التدخل كما هي الحال في سورية.
وإذا كنا قد عرفنا مزايا المحسوبية أو الواسطة الإيجابية فإن للمحسوبية أو الواسطة السلبية آثارا سيئة ومنها: أنها تؤدي للإحباط وعدم ثقة المجتمع في مؤسساته العامة والخاصة، كما أنها تحد من ظهور المواهب والكفاءات،فالشخص الموهوب أو الكفؤ إذا علم أن موهبته أو كفاءته لن تقدم له شيئاً ولن تميزه عن الأشخاص العاديين سوف يقل لديه الحماس والاندفاع، ولسان حاله يقول أريح مخي و أكون انساناً عادياً أصرف. إضافة إلى أنها تودي إلى تعويد الناس على عدم احترام الأنظمة التي تنظم الحياة في المجتمع، وكذلك تؤدي إلى تفشي بعض الظواهر السلبية كالرشوة والتزوير ونحوهما، وتضعف الولاء للوطن وقيادته عندما يصبح هم كل شخص البحث عن مصالحه فقط، وعندما لا يكون هناك قواعد ومعايير تطبق على الجميع بالمساواة والعدالة.

كاتب سعودي