قم للمبلم وفه التنكيلا..

17-10-2018

نصادف في كثير من الأحيان، خاصة في حياتنا العملية والاجتماعية أشخاصا لهم صفات خاصة، يلفتون إليهم الأنظار بقوة ونضطر للتعامل معهم ومجاراتهم على مقولة «مكره أخاك لا بطل» وكلنا استغراب واستعجاب وأحيانا استهجان مع ما أشعر به شخصيا حين مواجهتهم من الاستنكار، ولكن أسترجع في نفسي وأقول إنا لله وإنا إليه راجعون، قدر الله وما شاء فعل، وهذه الفئة إذا ما أردت أن أصف حالهم سأحتاج إلى عدة مقالات متتالية ويومية لشرح شخصياتهم وسلوكياتهم الغريبة والعجيبة، ومع ذلك لن أوفيهم حقهم ونصيبهم من الوصف، وآه من الوصف، على أي حال كلما اضطرتني المواقف للتعاطي مع من يحملون هذه الصفة التي سأعرض أهم معالمها، يحضرني المثل الشعبي الدارج عند غالبية الدول العربية، والذي يريحني قليلا ويهدئ من قلقي وامتعاضي وأردده سرا «علم في المتبلم يصبح ناسي».

«التبلم» يا سادة أعرفه من خلال مشاهداتي وملاحظاتي لسلوك «المبلم»، فهو مخلوق بشري يقوم بتكرار سلوك الجمود الحركي واللفظي الذي ينم عن شخصية يعتريها نوع من الغباء المجتمعي في التواصل والعلاقات واللا مبالاة في التعامل مع الأفراد، والإهمال وعدم الاستفادة من التجارب وسابق الخبرات مع مصاحبة ما ذكر بشيء من فقد للذاكرة الحافظة الزمانية والمكانية والتعبيرية، وتشتت في الانتباه والإدراك وصعوبة تحليل الأمور، وربطها مع قليل من الدهشة والسرحان وإخراج اللسان.

وأستطيع القول بأن «المبلم» في رأيي الخاص ينقسم إلى ثلاث شخصيات تبلمية، أولا «التبلم المتعمد» وهو الذي يفتعله صاحبه بأسلوبه الخاص لغرض في نفسه. وثانيا «التبلم العفوي» وهو وقتي يصدر من غير قصد، لكن يحاسب صاحب هذه الشخصية إذا ما تكرر ذلك منه، وكان مسؤولا عن مهمة تستلزمه اليقظة والحيطة والحذر. وثالثا «التبلم الدائم» وهو الملحوظ والواضح في الشخصية واللصيق الأزلي في سلوكها الذي لا يرجى برؤه، وهو الذي أردت التركيز عليه والذي أعده كارثة إذا ما تقلد منصبا إداريا مرموقا في منظمة عامة أو خاصة أو أصبح مسؤولا عن قرارات مصيرية أسرية كانت أو مجتمعية.

تكمن مشكلة الشخص «المبلم» إذا ما أعطي مكانة ومسؤولية مجتمعية في جهتين رئيستين، الأولى إدارية تنظيمية، والثانية أسرية عائلية، والاثنتان في احتياج لشخصية لها قوة الرأي والحصافة، الجهة الأولى إذا ما تم تمكينه منها عن طريق المجاملة أو ترشيحه بمنهج الشللية ومبدأ «صاحبنا يستاهل» وأعطي مسؤولية إدارية رفيعة في منظمة ما، فإن ذلك سيصبح وبالا وكارثة تنظيمية متوقعة حتما على الإدارة نتيجة ما سيصدره من قرارات غير مسؤولة، والتي تحتاج إلى مرشح ذي شخصية ذكية فطنة وحاضرة تستطيع التعامل مع الموارد البشرية والمالية بحكمة وحنكة، أما الجهة الثانية فتكون إذا ما ترشح صاحبنا «المبلم» لمسؤولية إدارة أسرة أو عائلة وتزكيته من بعض المخادعين عائليا بأسلوب المجاملة أو المكانة الشرفية أو المرحلة العمرية الكبيرة أو النفاق العائلي لاستغلاله وتوجيه رأيه لما تشتهي سفنهم أن ترسو وتستقر، خاصة إذا كانت هذه العائلة أو الأسرة رشحت الشخص «المبلم» لإدارة شؤونها ماليا للمحافظة على الأملاك ونظارة الأوقاف أو فض المنازعات الكبيرة أثناء حدوث المشكلات العائلية، والطامة الكبرى هي مآل هذه الأسرة.

من وجهة نظري السلوكية هنالك حلول لمعضلة «المبلمين»، وتكون بثلاث استراتيجيات للقضاء على هذه المشكلة؛ أولا الاستراتيجية الوقائية، ثانيا الاستراتيجية الإعدادية، ثالثا الاستراتيجية العلاجية. وسأقف على كل استراتيجية بشيء من التفصيل لتوعية المجتمع بمضار التبلم وأخطاره المحدقة.

أولا، الاستراتيجية الوقائية، وهي قَبْلية، وتكون بالاختيار الموجه والمسبق بوضع الشخص المناسب في المكان المناسب، وإسقاط عدة اختبارات معينة نفسية وإدارية ومعرفية لاستنباط مدى أهليته للمنصب الإداري، أو ترشيحه من قبل العائلة لتولي إدارة شؤونها أو نظارة أوقافها عن طريق مجموعة من الأكفاء في العائلة، وتزكيته لأمانته ونزاهته وقدراته العقلية.

ثانيا، الاستراتيجية الإعدادية، وهي آلية بعدية تكون في حال تقلد الشخص المنصب، وذلك بمتابعة أدائه ومراقبة إنتاجيته وقراراته، وتقييمه المستمر، وفي حال إخفاقه وثبوت عدم تمكنه من إتمام مهامه أو شهد شاهد بتبلمه وتم ترشيحه عن طريق المجاملة وعدم أحقيته للمكانة والمنصب يتم الانتقال فورا إلى الاستراتيجية الثالثة.

ثالثا، الاستراتيجية العلاجية، وتكون في حال ثبوت وجود الشخص غير المناسب في المكان المناسب، وتبين أنه شخص «مبلم» يلزم على من يتعامل معه سواء كانوا في الإدارة أو العائلة أن يواجهوه بأفعاله التبلمية، وأن يقوموا عليه بوقفة رجل واحد لإيفائه بأشد أنواع التنكيل، بالتشهير وإبراز إخفاقاته وحماقاته لإنقاذ ما يمكن إنقاذه، حفاظا على المصالح العامة، سواء الإدارية أو العائلية، قال عليه الصلاة والسلام «إذا أسند الأمر إلى غير أهله فانتظر الساعة».