المستقبل بيد الله

16-10-2018

المستقبل بيد الله هذا ما نقوله دائما عندما يكون الحديث عن التوقعات فيما يمكن أن يحصل في الزمن القادم غير المنظور، ومع أن هذا القول من المأثور الجميل لما يحمل من ثقة بالله وتوكل عليه في تصريف الأمور كلها ظاهرها وخافيها وحاضرها والمستقبل منها والاعتماد على الله فيما يشاء ويفعل، فإن التسليم بهذا القول لا يلغي العمل والجد والاجتهاد لما يستطيع المرء عمله من النظر والتقدير لما يجب أن يقوم به من جهود مأمور باتباعها، ولا شك أن كل إنسان راشد التصرف يهمه ما يكون عليه المستقبل ويضع في حسبانه الأيام بحلوها ومرها وخيرها وشرها، وما تخبئه في طواياها البعيدة وتقلباتها في الضراء والسراء، ويحاول العمل من أجل غد أفضل له في الحياة الدنيا وحتى فيما بعد ذلك، ولكن تختلف طرق الناس وتختلف قدراتهم التي يعملون بها، كما تختلف توقعاتهم لما يمكن أن يكون عليه مستقبلهم، كلنا نقول المستقبل بيد الله وكلنا نعمل على أن نغير الحاضر إلى ما نظن أنه أفضل.

هناك فاصلة مهمة بين الكلمتين فليس الاتكال على الله مانعا من الاعتماد على النفس والبحث عن أسباب تغيير الحاضر من أجل المستقبل ومن أجل الأجيال التي هي المعنية أولا وأخيرا بما ستأتي به الأيام القادمة وما يبنى به المستقبل، ولكن العمل يحتاج إلى أدوات كثيرة لا بد أن يصطحبها الإنسان الذي يفكر في التغيير للأفضل، وأولى هذه الأدوات التصور الصحيح لما يريد المرء في حياته وما تطلبه نفسه من أسباب النجاح الذي لا شك أنه هدف مقدس عند الشباب خاصة، والبحث عن غد أفضل لهم ولمجتمعهم الذي يعيشون فيه، ولا يتأتى ذلك إلا بتوفيق من الله وعمل دؤوب لا ينقطع، والتسلح بالتعلم النافع والإدراك لما يحتاجونه في مسيرة حياتهم الطويلة مع الأيام التي تلد كل جديد.

لا شك أن الشباب ينظرون في السنوات الأخيرة بوعي غير مسبوق إلى ما سيؤول إليه مستقبلهم وهم يشعرون بالفارق الكبير بين ما كان عليه الحال قبل سنوات قليلة وما هو حاصل من مؤشرات تدل على تحديات قادمة لم تكن مما كان يفكر فيه الجيل الذي سبقهم، ولعل شبح البطالة وندرة الفرص الوظيفية العامة التي لم تعد تكفي للذين يتقدمون لسوق العمل أحدث رد فعل مباشرا وصدمة مفاجئة أيقظت فيهم الشعور بالخطر الذي يرونه قادما مع مقبل الأيام وما تحمله الأضداد. كما تظهر بشائر الفوز للذين يعدون للمستقبل عدته ويتحدون الواقع بمهارة المواجهة، بينما ستكون المشكلات والصعوبات للذين ينامون على أحلام الماضي ويمنون النفس بالأمل دون العمل.

إن الزمن القادم والأجيال القادمة ستعيش ثقافة جديدة مختلفة وظروفا حضارية ومعرفية لم يعهدها الماضي القريب، سيواجهون ثقافة مناهضة للخمول والكسل، وزمنا يعطي الإنسان بقدر ما يعمل له وبقدر ما يعمل فيه وبقدر ما يكون قاسيا على نفسه من أجل مستقبله وبقدر ما يكون ثريا ومعطاء في فكره وعمله، أما الباب الواسع الذي سيدخل منه الناجحون فهو باب التعليم والتقانة وباب التخصص في العلوم التي تجددها الأيام وتأخذ بها الأجيال، وذلك هو السلاح الذي سيواجه به الشباب مسالك الحياة الوعرة.