التسيب الوظيفي تعطيل للإنتاج ومضيعة للقدرات

14-10-2018

بات التسيب الوظيفي سمة ملازمة لبعض الأجهزة والدواوين الحكومية، بما يؤدي إلى وقوع خسائر مادية يتكبدها المراجعون، جراء تعطيل مصالحهم، إضافة إلى الآثار السلبية المتمثلة في تباطؤ عجلة التنمية، وعدم تحقيق الغايات التي تسعى لتحقيقها الدولة. ويعرف عدد من المختصين والأكاديميين التسيب الإداري بأنه الحالة التي لا تكون فيها مراعاة أو انضباط بمعايير وقواعد وشروط وسياسة عمل المنظمة أو المؤسسة، وهي المعايير التي وضعت للمحافظة على حسن سير العمل. وإن كان التغيب عن العمل، أو التهرب من إكمال ساعات الدوام الرسمي أحد أبرز مظاهر التسيب، فإن التقاعس عن إنجاز المعاملات في وقتها المحدد، أو عدم إنجازها بالصورة المطلوبة مظهر آخر لتلك الظاهرة السالبة.

والسؤال الذي يتبادر لأذهان كثيرين: ما السبب الرئيس للتسيب الوظيفي؟ هل هو عدم كفاءة الأنظمة التأديبية؟ أم إن المشكلة في تطبيقها؟ مع العلم أنه نادرا ما تشكو الشركات الخاصة والأهلية من ذات المشكلة، مع الأخذ في الاعتبار زيادة ساعات العمل والمشقة التي تقع على موظفي تلك الشركات. كما أن بيئة العمل في بعض القطاعات الحكومية قد تكون مسؤولة عن وجود موظفين متسيبين. وأذكر أن أحد الأصدقاء يعمل في إحدى الدوائر الحكومية، وكان محبا لوظيفته ومواظبا في عمله ومنجزا للمهام المطلوبة منه في الوقت المحدد، حتى أصبح بمرور الأيام مكلفا بنصف أعمال ومهام الإدارة، لأنه بكل بساطة منتج وعملي، وكان يعاني كثيرا عندما يقوم بطلب إجازة نظامية، حيث يتم رفضها من قبل مديره ولا يتم منحه إياها إلا بشق الأنفس، خوفا من تعطل العمل، وفي المقابل كان هناك موظف آخر متسيب، كثير التذمر، وغير متقيد بمواعيد الحضور والانصراف، يحضر متأخرا وينصرف مبكرا، وعندما يطلب إجازة يتم منحه إياها وبالمدة التي يطلبها، كأنما لسان حال مديره يقول «اذهب لا فائدة منك».

ما أود الإشارة إليه هنا أن سوء الإدارة في بعض المؤسسات الحكومية هو الذي يصنع الموظفين المتسيبين، وقد يحدث ذلك بسبب وجود أشخاص في الإدارة إما تقديرا لخبراتهم أو مراعاة لعلو مراتبهم الوظيفية، مع أنهم قد يفتقرون إلى أساسيات ومفاهيم الإدارة، وبذلك يتسبب هؤلاء بحسن أو بسوء نية في إحباط كثير من الموظفين المتميزين، وزيادة التسيب الوظيفي في المؤسسة، كما يوجد مديرون في بعض المؤسسات لا توجد لديهم خطط عمل أو أهداف واضحة، إنما يكتفون بالأعمال اليومية الروتينية حتى انتهاء ساعات الدوام الرسمي، وهذا يحرم بعض الموظفين من ذوي الطموح الرغبة في التطور، ويشعرهم بعدم وجود أهمية لهم في تلك المؤسسات، ويجعلهم يفقدون الإحساس بالانتماء لها، أو إمكانية المشاركة في تحقيق أهدافها.

لذلك تؤكد عالمة الإدارة سوزان ديفيد أن احتواء الموظف وإشعاره بأهميته في منظومة العمل، والدور الكبير الذي يمكنه القيام به، من الأسباب الرئيسية في تحسين أدائه وزيادة إنتاجيته، حتى لو تطلب ذلك الأمر بذل مزيد من وقت المديرين.

ولأن بلادنا مقبلة على مرحلة تطور وازدهار عطفا على المشاريع النوعية التي تم طرحها، والمعاني والمبادئ غير المسبوقة التي وردت في رؤية المملكة 2030، فإن أولى آليات ضمان تحقيق تلك الأهداف تتمثل في إيجاد قيادات تستوعب آخر ما توصل إليه علم الإدارة الحديثة، وأن تكون قادرة على تقديم قدوة فعلية لبقية الموظفين، وتمتلك من المهارات والقدرات ما يمكنها من قيادة مرؤوسيها نحو تشكيل الإضافة النوعية التي تقود إلى تنزيل المبادئ التي ظللنا ننادي بها إلى أرض الواقع، حتى لا تصبح مجرد شعارات فارغة لا تسمن ولا تغني من جوع.

drmawi@