مستبد واحد أم مستبدون؟

21-09-2018
د. حسن مدن

ثمة ظاهرة، يصح أن نسميها عربية، يتعين الوقوف عندها، هي تلك الحال الأشبه بحال الحنين إلى أنظمة عُرف عنها الاستبداد والديكتاتورية، كانت محل معارضة من قبل شعوبها ومن قبل القوى المعارضة فيها. ونعني بالمعارضة هنا تلك التي كانت ترتكز في معارضتها على مبادئ الديمقراطية والحرية، لا المعارضات التي عينها على الماضي الغابر، متوهمة أنها ستعيد بعثه، لا على المستقبل، بما هذا المستقبل أهل له في التقدم والعدالة والإنصاف وبلوغ ما بلغته الأمم المتقدمة.
هناك قطاعات ليست قليلة العدد في بلدٍ مثل ليبيا تحن إلى عهد معمر القذافي، بمن فيهم أولئك الذين كانوا متذمرين من هذا النظام ومعارضين له، ويرون أن ما آل الحال إليه بعد إسقاط نظامه عنوة بتدخل عسكري فاضح من «الناتو» يجعل من سنوات حكم القذافي «جنة» بالقياس إلى الجحيم الحالي، من اقتتال دامٍ وحرب أهلية طاحنة، وشعور بعدم الأمان والخوف.
وفي العراق هناك الكثيرون ممن يترحمون على عهد صدّام حسين، رغم إدراك العراقيين المصائب والبلاوي التي جرّها نظامه عليهم وعلى بلادهم، إن لجهة توريط العراق في حروب ومغامرات كان في غنى عنها، ولم تعد عليه إلا بالخراب، أو لجهة ما مارسه من قمع وتنكيل بمعارضيه، بمن فيهم أعضاء بارزون في الحزب الحاكم نفسه.
وأكاد أزعم أنك لا تعدم أن تلاقي قطاعات في تونس تترحم على عهد زين العابدين بن علي، رغم أن نظامه سقط تحت تأثير ثورة شعبية شاملة اشترك فيها التوانسة في كل المدن والبلدات والقصبات.
إن فُهم من هذا القول أني أدافع أو أنحاز للزعماء الذين سقطت أنظمتهم وانتهى الأمر ببعضهم بالقتل كما حدث مع القذافي وصدّام حسين، وجب عليّ الاستدراك السريع لتبديد هذا الانطباع، فأنا أربأ بنفسي عن الدفاع عن الاستبداد في كافة صوره، بل إني من القائلين إن الأنظمة التي سقطت لتحل من بعدها الفوضى والخراب مسؤولة بدرجة كبيرة جداً عما حدث بعد سقوطها، فلو أنها حكمت بلدانها بالعدل والحكمة وأشاعت الحرية، لما كانت هبت بوجهها الثورات والانتفاضات.
وأضيف إلى ذلك: إن الأجهزة التي بنتها هذه الأنظمة والمنتفعين منها كانوا شركاء في إشاعة الخراب من بعد سقوطها ثأراً وانتقاماً.
ولا أنسى عبارة قالها لي صديقي الشاعر السوري علي كنعان، أطال الله في عمره، قبل نحو عشرين عاماً فحواها: «مشكلتنا مع الديكتاتور، ليست في حياته فقط، وإنما أيضاً بعد مماته».
ما أوحى لي بكتابة ما كتبت أعلاه قول لفولتير، ورد في مقالته: «الطغيان» هو التالي: «إذا خُيّرت أن تعيش عيشاً أفضل في ظل حكم استبدادي، فعليك أن تختار استبداد رجل واحد من استبداد رجال عدة، فالمستبد الواحد له بعض اللحظات الحسنة، أما جمعية عامة من المستبدين فلا يكون لها ذلك البتة».

madanbahrain@gmail.com