فرنسا وسيناريو الاستقالات

21-09-2018
علي قباجه

يبدو أن قصر الإليزيه سيعيش حالة عصيبة، لاسيما أن رياح الأزمة السياسية، جرّاء الاستقالات الأخيرة تعصف به من كل ناحية في ظل أزمات متعددة الاتجاهات، ترمي بباريس في خضم بحار متلاطمة الأمواج فهل ستضرب فرنسا موعداً مع المجهول؟ وهل ستكدر الاستقالات، التي تشهدها فرنسا عطلة إيمانويل ماكرون، الذي دأب ورغم تراجع شعبيته على المضي قدماً في النهج، الذي اختطه منذ أسس «حزب إلى الأمام»؟، أم أنه سيقوى على مقارعة خصومه، بمزيد من الوعود، التي بدأ أنصاره يتململون منها قبل معارضيه، لاسيما أن النهج الإصلاحي، الذي يتبناه لم يتحقق منه أي شيء على أرض الواقع.
فما زالت المماطلة الحكومية بشأن التدابير الضريبية تراوح مكانها دون أن تحرك ساكناً إلى جانب أزمات سياسية تطول السدة الأمنية الفرنسية، جرّاء عدم القيام بإجراء رادع تجاه المسؤول الأمني في الرئاسة الفرنسية ألكسندر بينالا، الذي تجاوزت تصرفاته حدود المقبول في أكثر من مناسبة بحسب نخب فرنسية، وهذه الأحداث ربما تضيف المزيد من الإرباك لماكرون المثقل بهموم أوروبية، والراغب في الانطلاقة نحو العالمية ومد مزيد من النفوذ، إلا أن الرياح السياسية الفرنسية، التي حلت قد تكبل خطواته، وتغير مسار أشرعته نحو الداخل، علّه يجد حلولاً جذرية لكل تلك التجاذبات.
ما قصم ظهر السياسة الفرنسية، التي حاولت المدارة على الأزمة الداخلية، التي تعانيها البلاد، إعلان وزير الداخلية جيرار كولومب عزمه الاستقالة بعد الانتخابات الأوروبية عام 2019، ليأتي وقع هذا النبأ كالصاعقة على ماكرون، الذي لم يستيقظ بعد من صدمة استقالة وزير البيئة نيكولا أولو، واللافت للنظر أن نبأ استقالة وزير الداخلية جاء في وقت عصيب تحاول فيه السياسة الفرنسية إعادة مجدها في أكثر من بلد.
فرنسا قد تشهد شتاء بارداً نسبياً عما شهدته خلال السنوات الماضية، وقد تحد الأزمات الداخلية طموحاتها، الرامية إلى اعتلاء عرش البيت الأوروبي، بعد أن كان ذلك حلماً يراودها لسنوات، لاسيما أن الساحة باتت اليوم خالية، بعد خروج بريطانيا، وانشغال ألمانيا بتفاهمات سياسية مع الأحزاب الشعبوية، إلا أن كل ذلك يبقى رهناً لما ستفرزه الأيام، فهل يقوى ماكرون على إعادة ترتيب البيت الداخلي مسابقاً الزمن قبل أن تعصف استقالات أخرى بحكومته؟ أم أنه سيلجأ لمعارضيه، ويهادن حفظاً لماء الوجه؟
السياسة الفرنسية تعاني حالة أشبه بما يُسمى ب«سوء الطالع» فكلما رغبت باريس الانطلاق نحو العالمية، بدأت تطفو على سطحها مياه راكدة تعيدها إلى شواطئها ولا تسمح لها بالإبحار بعيداً، فمن أزمة الضواحي إلى الأعمال الإرهابية التي طاولت معظم المدن الفرنسية إلى الأزمات السياسية الأخيرة تفقد باريس أملها في إعادة مجدها الماضي لتنكفئ نحو الداخل الذي يعاني تفككاً ويحتاج إلى إعادة تأهيل بدءاً بالبنى التحتية في الضواحي الفرنسية وليس انتهاء بأعلى هرم في السياسة الفرنسية، وما تحتاج إليه في الوقت الراهن هو السعي الدؤوب نحو إنشاء تفاهمات حتى لو كان ذلك على حساب التنازل لقوى المعارضة وإلا فإنها كغيرها ستفتح الطريق للأحزاب الشعبوية وهو ما سيجر على أوروبا، وليس فرنسا وحسب ما لا يُحمد عقباه.

aliqabajah@gmail.com