خوارزميّات الإلهام والإبداع

19-09-2018
عبد اللطيف الزبيدي

هل ستصير الرياضيات والمحاسبات التريليونية وبرمجتها،قاعدة لأيّ إلهام يكون مخاضاً للعمل الإبداعي؟بمنطق ساخر: هل سيحتاج جنون الإبداع في الموسيقى والفنون التشكيلية، إلى نبوغ في الرياضيات والفيزياء والبرمجة الحاسوبية، لكيلا يكون متخلفاً عن ركب زمانه؟ الطريف هو أنه لم يعد أي ميدان في الحياة العامة، قادراً على التمسك بإيقاعات الماضي، الاقتصاد والثقافة وسائر المجالات سواء بسواء.
يستطيع الإنسان أن يدرك من تريليونات العمليات في الرصد الجوي والشطرنج الحاسوبي وعلوم الإحصاء واستطلاع الرأي، أن التنبؤ سيغدو لوغاريتمات تتولى أمرها الحواسيب وذكاء الآلة. القدرات التي تتمتع بها هذه الأجهزة الجبارة، ستكون مقارنة بحواسيب الكوانتوم في العقد الخامس، في عداد الماضي أو تكاد. هل أدركنا القيمة التطورية الخارقة، التي أصبح بها التنبؤ خوارزميات، والتجليات معادلات؟عدم حساب متطلبات التحولات المستقبلية له أثمان، تجعل الخسائر كأنها عقاب لعدم الفهم. الأضأل: صناعة الأقراص المدمجة الموسيقية تحديداً، منيت بكارثة تجارية تقدر بعشرات مليارات الدولارات، قل المئات، لأنها لم تدرك أن «وحش» الرقمي على الشبكة سيتركها جلداً على عظم. التنزيل إمّا مجاناً، شرعياً وغير شرعي، وإمّا بفلوس معدودة.
الرياضيات في الاقتصاد والدفاع وغيرهما، والأشواط التطورية المفاجئة، ليست جديدة كليّاً. انعكاسات التحولات الكبيرة في العلوم على الثقافة، ومجالات الإبداع الفني، هي التي تشكل الإشكالية الكبرى على صعيد استيعاب المجريات وقبول النتائج. لم تكن الأجيال الماضية، البعيدة بخاصة،حتى قادرة على تخيّلها كمجرد أساطير. حاول جنابك أن تُدخل في دماغك أن الإلهام سيصبح، وعلى أوسع نطاق، خوارزميات تتنافس في إبداعاتها «مواهب» فذة و«عبقريات» يتوحد فيها الذكاء البيولوجي والذكاء الاصطناعي.
سيكون عقلنا ساذجاً إذا عجز عن تصور أن مسلّماتنا الثقافية ستمسي بدائية في نظر اندماج الذكاءين. هل كان القدامى يتخيلون أن بضعة الألوان الأساسية ستغدو شجرة لها ستة عشر مليون لون؟ أوزان شعرنا ستة عشر، سيكون للذكاء البيواصطناعي رأي آخر في العدد، قد يولّد منها المئات. الآلات الموسيقية، إذا أصبحت حاسوبية، أمكن تغيير مساحتها الصوتية. تخيل مغنى أوبرا اصطناعياً صوته تينور وباريتون وباص، ثلاثة أصوات رجالية في واحد، بل وحتى سوبرانو وميتزو سوبرانو وكونترالتو، ثلاثة أصوات نسائية أيضاً يستطيع أداءها، ستة في المجموع.مفهوم الغناء والتأليف الموسيقي سيتغير. كيف سيصبح الباليه إذا تشكلت الفرقة من روبوتات حسان، كأغصان البان، يرقصن بألف حركة في ثوان،فيسلبن كل جَنان؟
لزوم ما يلزم:النتيجة الاستدراكية:كل روائع الطبيعة والكون خلق وإبداع بالرياضيات والفيزياء،ونستغرب أن يغدو الإبداع والإلهام البشريّان خوارزميات؟

abuzzabaed@gmail.com