طرابلس في مربع القتال

19-09-2018
مفتاح شعيب

نسف تجدد القتال في العاصمة الليبية طرابلس الهدنة الهشة التي توصلت إليها الأمم المتحدة بداية الشهر الجاري، ولقيت إشادات من كل حدب وصوب، ولكن تعقيدات المشهد لها منطق آخر، فقد تجدد القتال بين الميليشيات المتناحرة، وذهبت بيانات الترحيب والإطراء على «الهدنة» أدراج الرياح، وعادت المعضلة الأمنية إلى المربع الأول.
قبل عودة القتال، كان ملتقى القبائل المنعقد في ترهونة منتصف هذا الشهر قد أمهل حكومة الوفاق الوطني برئاسة فايز السراج ثلاثة أيام لحل جميع الميليشيات والعمل على نزع أسلحتها وعتادها وتسليمها إلى جهات نظامية. وقد كان لافتا أن هذا الملتقى القبلي قد جدد دعمه لقوة «اللواء السابع»، التي ظهرت فجأة في المشهد مع غموض يحيط بمرجعياتها وولائها، ولكن من بين ثنايا التحذير الموجه إلى الحكومة بشأن سلاح الميليشيات يتبين أن القبائل ربما ستحيل أمر التعامل مع الميليشيات إلى قوة «اللواء السابع» إذا عجز السراج عن المهمة. كما كان لافتا أيضا أن القتال تجدد جنوبي طرابلس بمجرد انتهاء مهلة الأيام الثلاثة، من دون أن يكون ل«اللواء السابع» دور مباشر في الاشتباكات الجديدة. فقد أكدت المعطيات الأولية أن النزاع اندلع بين مجموعتين مسلحتين هما ما يسمى «لواء الصمود» بقيادة صلاح بادي، وما تسمى «قوات الردع» المسماة «اللجنة الأمنية العليا» التي يتزعمها عبد الغني الككلي، وكلتاهما أفسدتا في طرابلس منذ الإطاحة بالنظام السابق، ولا تلتزمان بالضوابط التي تقرها حكومة الوفاق حين تسنح لها الظروف.
الاقتتال الجديد بدأ راسما صورة مظلمة بقطع الكهرباء عن المناطق الغربية والجنوبية الليبية بما فيها طرابلس، وهي صورة تتكرر في كل معركة، ولكن هذه المرة ربما يكون الوقع مختلفا، بالنظر إلى أن الأطراف المتحاربة بدأت تعول على السلاح لفرض مصالحها وأجنداتها. ولا يبدو أن أصوات الحكماء وأعيان القبائل ستجد طريقها إلى آذان المتقاتلين أو من يوظفهم، خصوصا في ظل عمليات التحشيد والتحريض المتبادلة والإشارات الغامضة التي تنطلق من هنا وهناك. فبالتوازي مع عودة القتال، توقع جهاز المخابرات الإيطالي أن تسقط طرابلس بيد الجيش في إشارة ضمنية إلى قوات «اللواء السابع» التي تقول إنها جزء من المؤسسة العسكرية، على الرغم من عدم وجود مؤكدات كثيرة لهذا الانتماء.
أغلب الظن أن الاشتباكات الجارية في طرابلس ستكون معركة الحسم إذ استشرت واتسع نطاقها، ولكن الثمن السياسي سيكون فادحاً وأول من سيدفعه هو المجلس الرئاسي وكل المؤسسات المحسوبة عليه، وقد يؤدي إلى رسم مشهد جديد. فقد شهدت الأيام الماضية خروج تظاهرات حاشدة في طرابلس ومناطق أخرى تطالب بإسقاط «المجلس الرئاسي» وطرد الميليشيات، وهي مطالب عفوية صدرت من مواطنين لا علاقة لهم بالصراعات السياسية، ولكن تفاقم التدهور الأمني وانتشار عمليات السلب والنهب وقطع الطرقات والقتل خارج القانون والفساد وتردي الخدمات، كلها عوامل تدفع الليبيين إلى الثورة على هذا الوضع بعدما طفح الكيل. ومن المؤسف أن التغيير الجذري في الحالة الليبية لا يتم بغير سلاح، وهي معادلة قاسية، ولكنها الحقيقة بوجهها السيىء. ومثلما كانت «الثورة» على القذافي بالسلاح، فإن إصلاح ما فسد سيتطلب جولات مسلحة كثيرة وسفك دماء يفترض أن تحقن في سبيل البناء والتعمير، لا أن تذهب هدرا تحت نيران الهدم والتدمير.

Chouaibmeftah@gmail.com