الحنين إلى «سايكس بيكو» !

19-08-2018
خيري منصور

لأكثر من سبعين أو ثمانين عاماً، والعرب يعلقون الإخفاق في تحقيق الوحدة على مشجب «سايكس- بيكو»؛ لكنهم حين احتفلوا بمئويتها كانوا قد ابتكروا من داخلهم، وليس من داخل فرنسا وإنجلترا أسباباً حقيقية لذلك الإخفاق، وأصبح الاقتراب والتباعد منجزاً عربياً لا دخل للآخرين به؛ لأن ما يبدو استثنائياً يتحول بمرور الوقت إلى قاعدة، كما يتحول المكتسب في علم الأحياء إلى فطري، وفقه البحث عن مشاجب؛ لتعليق الإخفاقات عليها ليس جديداً، وغالباً ما يمارسه من يتهربون من مواجهة الذات؛ بهدف تبرئتها وإدانة كل ما عداها.
لكن ما يتراكم من هذا التهرب، ولما يقارب القرن يفرز مضادات لحقائق التاريخ، وإن كان التاريخ لا يعبأ بمن يتجاهلونه؛ فيفرض عليهم عدم الاستفادة من أخطاء لتدارك تكرارها وتحويلها إلى خطايا. ومن كانوا يحذرون من تشظي العالم العربي لم يخطر ببالهم، أنهم سوف يبكون على أطلال الأوضاع القديمة؛ لأن الواقع تجاوز التشظي إلى التذرر وإعادة تقسيم المقسّم.
بالطبع هناك دراسات استشراقية؛ منها ما تنتجه مراكز الأبحاث في الغرب؛ قدمت تحليلات لتغليب الهويات الفرعية على الهوية القومية؛ لكنها لم تأخذ بالاعتبار الدور التشجيعي، الذي لعبته الدول التي تنتمي إليها لمزيد من هواجس الانفصال.
وسيكون من الظلم ومجافاة الحقيقة الادعاء بأن للعرب سايكولوجيا خاصة، فرضتها بيئاتهم وخصائصهم؛ لأن هذا الحكم يفترض أن لكل شعب طبيعة خاصة، وهذا غير صحيح، والاقتناع به يكرّس نظريات عنصرية. إن للبشر طبيعة واحدة يغيرها التاريخ والظروف والدول الكبرى التي تصنف في خانة الأكثر تقدماً مرت بالأطوار كلها بدءاً من الرعوي حتى الصناعي مروراً بالزراعي، ولكل طور من هذه الأطوار سياقات ثقافية، وأعراف اجتماعية لا يصح لأحد أن ينتزعها من سياقها، ويحكم عليها حكماً مطلقاً غير قابل للاستئناف. فهل يحن عرب هذا القرن إلى «سايكس بيكو»، الذي طالما لعنوه؛ لأنه لم يقسمهم كما قسموا أنفسهم ؟

khairi_mansour@yahoo.com