ورقة لبلاب خضراء

19-08-2018
يوسف أبو لوز

من وقت إلى آخر أعود إلى قصص الأمريكي «أو هنري»، وهو اسمه المستعار، واسمه الحقيقي وليام سيدني بورتر (1862 - 1910). تنتهي قصصه دائماً بمواقف مفاجئة وحزينة مثل قصة «الورقة الأخيرة» التي تحكي قصة فتاة رسامة اسمها جونسي مريضة بالسل كانت دائماً تحدّق من نافذة غرفتها إلى شجرة لبلاب تتساقط أوراقها والفتاة المريضة يسيطر عليها بفعل حمّى المرض هاجس أنها ستموت مع سقوط الورقة الأخيرة عن شجرة اللبلاب.
في الوقت نفسه يسكن في الطابق الأرضي رسام في الستين من عمره يدعى بيرمان الذي يعرف قصة الفتاة المريضة، فيتسلل في ليلة عاصفة ماطرة إلى حيث شجرة اللبلاب ويرسم على الجدار المقابل لنافذة جونسي ورقة لبلاب خضراء، وإذ لن تسقط هذه الورقة تأخذ صحة جونسي بالتعافي وتعود لها صحتها لتنجو من مرض السل، غير أن بيرمان الذي أنقذ حياتها برسمة ورقة لبلاب يموت في تلك الليلة جرّاء خروجه في الليل تحت وطأة المطر والبرد.. بعد عودته من رسم الورقة.
ولكن ماذا عن حياة «أو هنري» نفسه الذي لم يعش سوى سبعة وأربعين عاماً، ولكن في هذا العمر القليل أهدى أمريكا فن القصة القصيرة ليكون في أوائل القرن العشرين في مستوى تشيخوف في روسيا، مع أن التراث الأدبي الأمريكي لا يُقارن مع أية دولة في العالم قياساً إلى الإرث الأدبي العالمي من الصين إلى فرنسا إلى ألمانيا وإلى التراث الأدبي العربي في الشعر والنثر، فيما لم يصنع الأمريكيون أدباً إلا في حدود مئتي عام أو أكثر من ذلك بقليل.
تناول «أو هنري» حياة مدينة نيويورك بشكل خاص وله قصة بعنوان «الملايين الأربعة»، ويقصد بذلك عدد سكان نيويورك آنذاك.
قَست أمريكا على شاعرها الكبير عزرا باوند (1885 - 1972) وأودعته مصحّة عقلية، والأمر نفسه من حيث الصلف الأمريكي تجاه الأدباء بشكل خاص سوف يتكرر مع «أو هنري» الذي سُجن بتهمة الاختلاس عندما كان يعمل صرّافاً في بنك في مرحلة من حياته، غير أن التهمة دارت حولها شكوك، وكيف لكاتب في شفافية صاحب هذه القصص الإنسانية أن يختلس، هو الذي اشتغل في صيدلية، كما اشتغل مزارعاً، ورسام كاريكاتير، وصحفياً، وناشراً، من دون أن يجمع من المال ما كان جمعه تاجر نيويوركي صغير.
عاش الشاعر الإسباني فيديركو غارثيا لوركا في نيويورك من العام 1929 وحتى العام 1930، وفي العام 1940
نشر ديواناً بعنوان «شاعر في نيويورك» ويبدو أن الشاعر الذي تجري في عروقه دماء أندلسية «عربية» لم يكن قد أحب مدينة الحضارة الأمريكية ورمزها المادي.
يقول لوركا في قصيدة «شاعر في نيويورك»: «القناع الهائل، انظروا القناع الهائل/كيف ينتقل من إفريقيا إلى نيويورك ها قد راح زمن شجرات الفلفل».
إلى أن يقول بشكل أكثر مباشرة: آه يا أمريكا المتوحشة.. آه أيتها المستهترة.. آه أيتها المتوحشة مضطجعة على مشارف الجليد.
من أين لبعض المدن القاتلة للشعراء برسّامين يرسمون ورقة لبلاب خضراء؟

yabolouz@gmail.com