أفغانستان وعودة الإرهاب

19-08-2018
صادق ناشر

عودة الهجمات الإرهابية إلى أفغانستان بوتيرة أكبر من تلك التي كانت عليها قبل سنوات قليلة، دليل على أن الحرب في هذا البلد لم تنته، وأن كل الإجراءات التي اتخذها التحالف الدولي، على رأسه الولايات المتحدة، لإنهاء مسلسل العنف بعد طرد حركة «طالبان»، لم تنجح في وقف نزيف الدم الذي يسيل هناك منذ أحداث الحادي عشر من سبتمبر/ أيلول من عام 2001، وما تلتها من عمليات عسكرية.
ولعل المفارقة أنه في وقت كان الكثير من المراقبين يرون بوادر ضعف في حركة «طالبان»، تزايدت العمليات الإرهابية أكثر من ذي قبل، بعد انضمام تنظيم «داعش» إلى حلبة المواجهة، وبعدما أعلن سيطرته العام الماضي على منطقة تورا بورا، المنطقة الشهيرة، التي كانت معقلاً من معاقل «طالبان» خلال الحرب التي خاضتها الحركة ضد الاتحاد السوفييتي في ثمانينات القرن الماضي، وكانت المخبأ الجبلي الذي لجأ إليه زعيم تنظيم «القاعدة» أسامة بن لادن للتخفي والفرار من مطاردة وتعقب القوات الأمريكية له.
عودة «داعش» إلى تورا بورا في أفغانستان اعتبرها المراقبون نذير شؤم في الحرب لإنهاء نفوذ «طالبان»، إذ إن تقليم أظفار «طالبان» منح «داعش» فرصة لطالما كان ينتظرها، بالعودة إلى أفغانستان عبر تنفيذ سلسلة من الهجمات الإرهابية، التي بدت أكثر خطورة من الهجمات التي كانت تنفذها حركة «طالبان». فقد ارتفعت الرايات السود في أكثر من منطقة، بعد أن كان التنظيم قد بدأ يخسر قواعده في مناطق أخرى، خاصة في كل من سوريا والعراق.
تمكن «داعش» من السيطرة على تورا بورا جاء على حساب حركة «طالبان»، التي كانت صاحبة الذراع الطولى في المنطقة لسنوات طويلة. بمعنى آخر إن «داعش» عاد إلى معقل التطرف، أي الحاضن الأكبر له، وهو تنظيم «القاعدة»، الذي نشأ في أفغانستان وتمدد فيها ومنح الحياة لفروعه في بقية دول العالم، لتعيث فيها فساداً وظلماً.
وفي الحقيقة، فإن أسباباً عدة أعادت رسم المشهد في أفغانستان، التي شهدت تحولات هائلة بعد أن حضرت فيها الولايات المتحدة عوضاً عن الاتحاد السوفييتي السابق حيث دارت معارك على أراضيها، كان فيها قادتها وكلاء لقوى خارجية أرادت وتريد إبقاء أفغانستان رهينة الأطماع الأجنبية، وقد استمر تصاعد أعمال العنف في مختلف مناطق البلاد، ولم تفلح كل الجهود الإقليمية والدولية في وقف هذا النزيف.
وزاد من تعقيد المشهد في أفغانستان تزايد التأثيرات الناتجة عن ظواهر الثأر السياسي والقبلي والديني، وهي محطات عنف أدت إلى مقتل وجرح مئات الآلاف من الأبرياء، حيث كانت أفغانستان ولا تزال نقطة استقطاب للقوى الكبرى بحكم موقعها المهم في المنطقة، خاصة بعد أن استولت حركة «طالبان» على الحكم عام 1996، إثر سقوط نظام نجيب الله. وعلى الرغم من أن فترة حكم الحركة كانت قصيرة (امتدت حتى 2001)، إلا أن تأثيراتها في المواطن الأفغاني كانت كبيرة جداً، فقد جلبت الخراب والدمار إلى البلاد وأبقتها تحت سيطرة القوى الخارجية.

Sadeqnasher8@gmail.com