ملاحظات على هامش تظاهرة

19-08-2018
علي جرادات

شارك نحو 60 ألفاً من فلسطينيي الأراضي المحتلة عام 48 في التظاهرة، التي دعت إليها «لجنة المتابعة العربية»، يوم السبت قبل الماضي، في «ساحة رابين» في «تل أبيب»؛ احتجاجاً على «قانون القومية»، الذي أقرته «دولة» الاحتلال، «إسرائيل»، في يوليو/تموز الماضي. إزاء ما يحمله الحدث، هنا، من دلالات سياسية كبيرة، لجأ رئيس حكومة الاحتلال نتنياهو، إلى المعهود من التحريض العنصري الرخيص؛ حيث هاجم المتظاهرين بالقول: «لقد رفعوا العَلَم الفلسطيني»، وكأنهم ليسوا بفلسطينيين، أو كأن عليهم أن يرفعوا العَلَم «الإسرائيلي». لخص الكاتب اللبناني، إلياس خوري، دلالات الحدث في مستهل مقال له، (نقلته صحيفة الأيام الفلسطينية)، بالقول: «حملت التظاهرة تغييراً لافتاً قاله العَلَم، فلقد أعلن الفلسطينيون هويتهم الفلسطينية، التي جرى إخفاؤها أو محوها خلف عبارة (عرب«إسرائيل»)؛ وهي عبارة تحمل كل التباسات الحركة الوطنية في«الداخل»، التي تحايلت بالهوية، التي أُعطيت لها من أجل البقاء، آن الأوان اليوم، للإعلان عن الهوية البسيطة الموجودة في وجدان كل الفلسطينيين، وحين قال العَلَم هذه الحقيقة الصارخة، فإنه فرض منطقاً جديداً ورؤية جديدة تطوي صفحة أوسلو وأوهامه وترد على الضم الزاحف، وموت وهْم حل الدولتيْن». ويجدر، هنا، تسجيل الملاحظات التالية:
أولاً، دلالات التظاهرة المذكورة، وما سبقها، وما سيتلوها من فعاليات، فضلاً عن دلالات فعاليات مسيرات العودة الكبرى الجارية في قطاع غزة منذ 30 مارس/آذار الماضي، ودلالات التحركات الجماهيرية المتقطعة، التي تشهدها الضفة والقدس، ومخيمات اللاجئين، منذ إعلان القرار الأمريكي بشأن القدس نهاية العام الماضي، تؤكد أن فلسطينيي «مناطق 48» جزء من الشعب الفلسطيني، وهم مع فلسطينيي «مناطق ال67» واللاجئين في الشتات، شعب واحد؛ وأن تمايز أشكال النضال، تبعاً لخصوصيات تجمعات هذا الشعب، يبقى، وينبغي أن يبقى، في إطار التكامل؛ لانتزاع الحقوق الوطنية والتاريخية الفلسطينية، وفي مقدمتها حق العودة وتقرير المصير والدولة. إنه التكامل الذي قطع «مسار مدريد أوسلو» سياقه طيلة 25 عاماً ويزيد، وكان ينبغي إعادته إلى السكة الصحيحة، بقرار من «المجلس الوطني» لمنظمة التحرير، في مايو/أيار 1999؛ حيث انتهى العمر الزمني لاتفاق أوسلو إلى فشل ذريع؛ لكن ذلك لم يحدث؛ حيث تم التمديد الواقعي ل«المرحلة الانتقالية» في هذا الاتفاق الفاشل والمُدمر.
ثانياً، إذا كان هذا التمديد، آنذاك، خطأَ سياسياً فادحاً، فإنها الخطيئة السياسية عينها أن تتردد وتتلكأ اللجنة التنفيذية للمنظمة في تنفيذ القرارات، التي اتخذها المجلس المركزي عام 2014؛ وأكدها «المجلس الوطني» في دورته قبل ثلاثة أشهر؛ وتقضي بإنهاء تعاقد «أوسلو» السياسي مع الاحتلال، والتحلل من التزاماته الأمنية والاقتصادية، وما ترتب عليه من تنازلات كبيرة مجانية متسرعة. إن تنفيذ هذه القرارات؛ هو ما يوفر الأساس السياسي؛ لاستعادة الوحدة الوطنية بين فصائل العمل الوطني، ولتوحيد نضالات التجمعات الفلسطينية، في إطار منظمة التحرير الفلسطينية، الممثل الشرعي الوحيد للشعب الفلسطيني في الوطن والشتات.
ثالثاً، والأنكى هو ألّا تتعامل اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير مع قرارات المجلسيْن «الوطني» و«المركزي»، كقرارات ملزمة لها؛ بل كتوصيات تتصرف بها كما تشاء. ومتى؟ في ظل أخطر مرحلة تواجهها القضية الفلسطينية منذ انطلاق الثورة المعاصرة؛ جرّاء ما تشنه، جنباً إلى جنب، وبتوافق كامل وشامل، حكومة الاحتلال والإدارة الأمريكية؛ من هجوم سياسي وميداني غير مسبوق، عنوانه «صفقة القرن» التصفوية، و«قانون القومية» الإلغائي الإحلالي العنصري، كخطتيْن متكاملتيْن، أسقطتا، إلى غير رجعة، جميع رهانات إحراز تسوية سياسية «متوازنة» للصراع، فما بالك بالتوصل إلى تسوية تكفل تحقيق «البرنامج المرحلي»؛ أي العودة وتقرير المصير والدولة. أما نتائج سياسة التردد، التي تتبعها، هنا، قيادة منظمة التحرير، فملموسة في بعثرة جهود المواجهة السياسية والشعبية الدائرة مع الاحتلال، وفي تعميق الانقسام القائم بين «حماس»و«فتح»؛ بل، وفي توسيع هوة الخلافات القائمة بين«فتح» وبقية فصائل منظمة التحرير، أيضاً، وإلا ما معنى أن تنضم الجبهة الديموقراطية و«المبادرة الوطنية» إلى الجبهة الشعبية في مقاطعة دورة«المجلس المركزي»، التي عُقدت خلال يوميْ الثلاثاء والأربعاء الماضييْن؟

ali-jaradat@hotmail.com