هل تتفكك مجموعة الدول السبع؟

19-08-2018
محمد خليفة

أبرزت قمة الدول السبع الصناعية، التي انعقدت مؤخراً في كندا، عمق الهوة، التي باتت تفصل بين دول هذا التكتل العالمي، الذي ظل لعقود طويلة ينظم شؤون التجارة والاستقرار المالي في العالم. وظهر للعيان أن عالماً هرماً من الأنظمة السياسية والاجتماعية والاقتصادية أخذ يتهاوى وينهار، وأخذت تترنح معه خريطة العلاقات والمواقع الاقتصادية، وبدأت تتعالى أصوات الابتهاج بأن الديمقراطية الرأسمالية الليبيرالية هي آخر الإيديولوجيات، وتسمو المصالح، الدائمة والآنية، على قيود الزمان؛ فلا تعبأ بالأخلاق ولا ببؤس الشعوب.
لقد أصبحت ركائز المجتمعات الديمقراطية الغربية الرأسمالية الليبيرالية عاجزة عن تأمين الاستقرار والتوازن الاقتصادي، وباتت معظم تلك الدول تعاني أزمات اقتصادية؛ وعلى رأسها الولايات المتحدة، ما فتح باب الخلافات بينها، وبات من الصعب عليها أن تتفق على استراتيجية عالمية واحدة؛ لمواجهة تلك الأخطار والتصدي لها؛ لأنها باتت ترى أن الأخطار موجودة ضمنها.
وتتمثل المشكلة في سياسة «الحمائية»، التي انتهجتها الإدارة الأمريكية الحالية تجاه الشركاء والأعداء على السواء؛ بذريعة العجز في ميزانها التجاري؛ بسبب سياسة الانفتاح ورفع القيود أمام المنتجات والبضائع الأجنبية. ومن هذا المنطلق بادرت هذه الإدارة بالانسحاب من اتفاقية التجارة الحرة عبر المحيط الهادئ، بحجة أنها تفتح الأسواق الأمريكية أمام منتجات وبضائع دول كثيرة، كما انسحبت من اتفاقية باريس للمناخ، والذي شكّل فرصة حقيقية لإعادة التوازن إلى كوكب الأرض؛ من خلال تخفيض غازات الدفيئة إلى مستويات متدنية؛ لكن تلك الإدارة رأت في ذلك الاتفاق انتقاصاً من حقوق الولايات المتحدة في استخراج ما تشاء من النفط والغاز من أرضها. وأيضاً قررت فرض رسوم عالية على واردات الصلب والألومنيوم بدعوى حماية الأمن القومي الأمريكي، وعلى واردات كثيرة أخرى، وخصوصاً من الجارة القريبة كندا.
وفي قمة إيطاليا العام الماضي، سُجّل للمرة الأولى، في الإعلان النهائي، تحفّظ الولايات المتحدة على اتفاقية باريس بشأن المناخ. ومنذ ذلك الحين، وعلى المستوى الوزاري، رفضت الولايات المتحدة في كثير من الأحيان، التوقيع على نص مشترك مع المجموعة. وفي قمة كندا، بانت الخلافات بين دول المجموعة بشكل صريح، ورغم موافقة الولايات المتحدة على البيان الختامي، إلا أن الرئيس ترامب سرعان ما أعلن انسحابه من تأييد هذا البيان؛ ما أفقد تلك القمة جدواها على أرض الواقع. وتتكون قمة الدول السبع من كندا، فرنسا، ألمانيا، إيطاليا، اليابان، المملكة المتحدة، والولايات المتحدة. وكانت تلك الدول، حتى الأمس القريب، تمثل أكثر من 62٪ من صافي الثروة العالمية (280 تريليون دولار)؛ لكن في ظل ظهور كيانات اقتصادية كبرى في العالم، وخصوصاً في آسيا وأمريكا اللاتينية، فقد تراجعت ثروة تلك الدول، لا بل إنها باتت مديونة بعدة آلاف من مليارات الدولارات، ولم يعد بوسعها التحكم بالاقتصاد العالمي. وظهر مفهوم منتدى البلدان الصناعية الرئيسية في العالم، عام 1972؛ عندما ألغت الولايات المتحدة اتفاقية برايتون وودز، وحررت الدولار من الذهب، فقد خافت آنذاك من حدوث تضخم وأزمة اقتصادية عالمية؛ ولذلك عقد وزير الخزانة الأمريكي، جورج شولتز، اجتماعاً غير رسمي مع وزراء المالية في ألمانيا الغربية، وفرنسا والمملكة المتحدة، وكان ذلك نواة لنشوء مجموعة السبع التي دعيت إليها، بعد ذلك، اليابان وإيطاليا وكندا. وبعد انهيار الاتحاد السوفييتي دعيت روسيا إلى هذه المجموعة، وفي عام 2014 طردت منها؛ بسبب اقتطاع شبه جزيرة القرم من أوكرانيا وضمها إليها؛ لكن المجموعة لن تصبح أفضل من دون روسيا؛ لأن الحرب الاقتصادية التي بدأت بين دول الغرب وروسيا تسببت بخسائر كبيرة للجانبين، وأيضاً، فإن الولايات المتحدة لم تستطع من خلال إنشاء المجموعة وقف تدهورها الاقتصادي الذي وصل اليوم إلى مرحلة الخطر القاتل.
وقد قامت حملة الرئيس ترامب الانتخابية على شعار «أمريكا أولاً» وهذا يعني أن ما يفيد الولايات المتحدة؛ فإن ترامب سوف يفعله، وما يضرها ويزيد في خسائرها سوف يبتعد عنه. لكن عندما وضع الرئيس ترامب هذه السياسة على أرض الواقع، كان الحلفاء أول المتضررين منها؛ حيث طالبهم بزيادة إنفاقهم في حلف شمال الأطلسي، كما رفع في وجههم جدران الحماية، وفرض رسوماً كبيرة على منتجاتهم القادمة إلى الولايات المتحدة. وقد أدى ذلك إلى تصاعد الخلافات بين الطرفين، والواقع أن مجموعة الدول السبع لن تستطيع الاستمرار في ظل تلك السياسة الأمريكية؛ لذا فهي تتجه نحو التلاشي؛ لأن مبررات قيامها قد انتهت، فالولايات المتحدة لم تعد قادرة على التحكم بالاقتصاد العالمي بمساعدة حلفائها؛ بل إنها لم تعد قادرة على التحكم باقتصادها الذي يزداد تدهوراً يوماً بعد آخر.