إيران ومأزق الهروب إلى الأمام آخر الغصن

18-08-2018

يوسف ناصر السويدان

تصريح وزير الخارجية الإيراني، المفاجئ، لصحيفة “إيران” (نشرته القبس في التاسع من الشهر الجاري) وعبر فيه عن رغبته في “ترميم علاقات بلاده بدول الخليج العربي” يؤكد بما لا يدع مجالا للشك ان حزمة العقوبات الأميركية التي بدأ سريان تطبيق مرحلتها الأولى على إيران في السابع من الشهر الجاري قد فعلت فعلها ونزلت كالصاعقة الماحقة على جسم الاقتصاد الإيراني الريعي والمنهك أصلا بسبب الإنفاق الطفيلي الباذخ على التسلح الصاروخي، وحشود لا حصر لها من الأحزاب الطائفية وعملاء ومرتزقة نظام “ملالي طهران” المنتشرين كالديدان الضارة في الشرق الأوسط، وبالأخص في العراق وسورية ولبنان وغزة واليمن، عبر الأذرع الأخطبوطية القمعية، كالحرس الثوري الإيراني و”حزب الله” اللبناني وفروعه والحوثيين قتلة الأطفال في اليمن، اضافة إلى اعداد اخرى من المرتزقة المستجلبين من أقاصي افغانستان وباكستان، الذين ينفذون، جميعا، خطط المرشد الأعلى الإيراني وتعليماته في محاولاته المستميتة للامتداد والزحف التدريجي على المشرق العربي، وصولا إلى اطلالة أو منفذ بحري وقاعدة ومستوطنة إيرانية، يحلم المرشد بتأسيسها على الساحل الشرقي للبحر الأبيض المتوسط، قبل أن يفيق من أحلامه مرعوبا تحت نيران قذائف الطيران الحربي الاسرائيلي وهي “تطشر” مواقعه وأعوانه بعيدا عن مشارف الجولان إلى أعماق الصحراء السورية، مع تحذيره أيضاً من مغبة التذاكي على طرق الملاحة الدولية في البحر الأحمر ومضيق باب المندب. لقد بدأ مفعول العقوبات الأميركية يسري سريعاً في مفاصل وشرايين الحياة الاقتصادية في إيران، مما يمكن ملاحظته في الانهيار السريع لسعر صرف العملة الإيرانية “تومان” الذي أدى إلى تدهور قيمتها الشرائية، وبالتالي ارتفاع لا يطاق في أسعار جميع المواد الاستهلاكية اليومية وغيرها كالغذائية والدوائية وسائر الأنشطة الخدمية الأخرى الضرورية في حياة الإيرانيين المعيشية، بعد أن اصبحت عمليات الاستيراد والتصدير التجاري بين إيران والعالم الخارجي في حكم المنتهية عملياً، وقد غادرت الكثير من الشركات الصناعية والاستثمارية الأجنبية السوق الإيرانية، ناهيك عن حالة مزرية ومهينة من ازدياد بطالة الأيدي العاملة الإيرانية، التي قفزت مؤشراتها إلى مستويات قصوى، مع انعدام فرص العمل.
والنتيجة المنطقية أن ازدحمت شوارع المدن الإيرانية بالمظاهرات الجماهيرية الاحتجاجية الواسعة، التي طالت بشعاراتها وهتافاتها رأس النظام الإيراني ومطالبته بالانسحاب الفوري للقوات الإيرانية وانشطتها الاستخباراتية من العراق وسورية ولبنان واليمن والكف عن التدخل في شؤون الدول الأخرى، بعد أن حصد تدخلها في هذه البلدان أرواح الجنود الإيرانيين، وأكل الأخضر واليابس في الموازنة المالية الإيرانية على حساب الواقع المأساوي المزري لحياة الإيرانيين، ومرة أخرى كان الاجراء الامني بقسوته وبطشه يصطبغ شوارع المدن الإيرانية بنزيز دماء القتلى والجرحى وآخرين امتلأت بهم زنازين السجون والمعتقلات الرهيبة، فيما بدا واضحا انسداد الافق تماما امام نظام الملالي في طهران وعبثية مواصلته الاصطدام بالجدار وبالعودة إلى تصريح وزير الخارجية الإيراني، نجد انه حافل بالتناقضات، فهو من جهة يعلن عن رغبته في “ترميم العلاقات مع دول الخليج العربي” وفي الوقت نفسه يعود إلى التهديد بإغلاق “مضيق هرمز” في وجه حركة الملاحة الدولية وبالتالي محاولة منع تصدير النفط من دول الخليج العربي، اذا ما توقف تصدير النفط الإيراني، ولا تفوته استعارة مقولة النظام السوري الهروبية المعروفة في عدم السماح للعدو تحديد زمان ومكان المعركة! حيث يقول ظريف في موضع آخر من تصريحه المذكور: “اعدت اميركا غرفة عمليات حرب ضد إيران، ولا يمكن ان نستدرج لمواجهة مع اميركا بالسقوط في فخ غرفة عمليات الحرب هذه واللعب على جبهة قتال، فلماذا اذن كل هذا الاستظراف بالحديث الذي لا يتوقف عن الصاروخ البالستي قصير المدى “فاتح مبين” الذي وصفه وزير الدفاع الإيراني امير حاتمي بأنه “مرن ومموه وتكتيكي ودقيق”؟ (القبس 14/‏8/‏2018) أليس هذا تحشيدا لوسائل الحرب على الساحل الإيراني المقابل لمضيق هرمز الذي يعتبر اغلاقه بمثابة اعلان حرب مباشرة على العالم اجمع؟ ام انه الهروب إلى الامام حتى اللحظة الاخيرة باستعارة هرطقات الطاغية المقبور صدام التكريتي عندما توعد الجنود الأميركان بتعليقهم على أسوار بغداد، قبل أن يطلق ساقيه للريح هربا والاختباء داخل حفرته الحقيرة؟!
وبحلول نوفمبر المقبل، يكون قد حل ايضا، موعد الحزمة الثانية من العقوبات الاميركية على إيران، ومعها تكون جميع ملامح اللوحة السوريالية لكارثة الاقتصاد الإيراني، قد اكتملت خربشات خطوطها وفوضى لطخات بقع ألوانها المتنافرة، وحينها لا أظن أحدا في الخليج العربي وإقليم الشرق الأوسط قاطبة. سيرغب في رمي قارب نجاة أو حتى “يتوب عتيج” لأي من الفئران الهاربة التي ستتقافز من سفينة نظام ملالي طهران المثقوبة والغارقة.
كاتب سعودي