غزو الكويت وقصف إسرائيل (2)

18-08-2018

باسل محمد

بتجربة الغزو العراقي لدولة الكويت يوجد أكثر من التباس في نظام القيم ( المصدر الرئيسي للتفكير والقرارات العملية) الذي سيطر على الدولة السياسية المتخلفة في العراق، فخلال الحرب مع ايران، كان نظام صدام حسين يتبنى فكرة حماية البوابة الشرقية للعالم العربي من الغزو الفارسي، فإذا به هو يغزو دولة عربية شقيقة وهي الكويت، معروف عن قيادتها وشعبها الشحنة العروبية الزائدة. أما الألتباس الثاني المدوي، فربط النظام العراقي السابق الخروج من الكويت بخروج الاحتلال الاسرائيلي من الأراضي الفلسطينية والعربية، كما قصف اسرائيل بالصواريخ خلال عملية تحرير الكويت، اي انه حاول اثارة عاطفة المنطقة لدعم الاحتلال العراقي للكويت.
بمعنى كانت الدولة السياسية السيئة بقيادة صدام تستثمر الصراع مع اسرائيل لتبرير التعدي على الكويت، كما حاولت المقاربة بين الكويت والخليج وبين اسرائيل اي مقاربتهما كعدويين للعراق وبعض العرب وهي المقاربة نفسها التي طرحها نظام دمشق خلال الحرب الأهلية في بلاده بعد العام 2011، اي مواجهة شعبه واسرائيل في وقت واحد، ولذلك هو حشد ما يسمى “محور المقاومة ضد اسرائيل” لمواجهة السوريين، معتبراً أن معركته مع شعبه هي معركة لبقاء محور المقاومة وبقاء المواجهة مع اسرائيل، وفعل صدام حسين الامر نفسه، واعتبر أن غزو الكويت وايذاء شعب عربي هو أحد متطلبات المعركة من أجل فلسطين ومواجهة اسرائيل.
من الناحية الفعلية، الغزو العراقي للكويت أخرج العراق من دائرة الصراع العربي- الإسرائيلي وليس العكس، وبالتالي ربط الغزو بإسرائيل بذريعتي: شرط الانسحاب أو قصف اسرائيل بالصواريخ، هي عبارة عن عملية وهمية لأن الجيش العراقي اجتاح مدن الكويت، ولم يجتح مدن اسرائيل، بدليل أن صلة والتزامات حكومة صدام، وبعدها الحكومات العراقية المتعاقبة بعد العام 2003 عندما سقطت الدولة السياسية المضطربة في بغداد، خفت وتراجعت وتضمنت بعض الإشكاليات مع الفلسطينيين.
على ذكر الربط بين فلسطين واسرائيل والكويت، جاء الرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات الى بغداد عقب الغزو العراقي للوساطة وكان معه مستشاره نبيل أبو ردينة، وخلال اللقاء قال صدام لعرفات أن غزو الكويت سيؤدي الى تحرير فلسطين، فخرجت كلمة من أبو ردينه:” كيف”؟ فأعتبر صدام كلمة كيف استفزازاً، فصرخ وانفعل على أبو ردينة ثم على الفور استأذنه عرفات بالخروج، وذهب الى طائرته بمطار بغداد، وكان يقول لأبو ردينه على طول الطريق الى المطار” ان شاء الله نخرج من العراق وانت بخير اي لا يتم اعتقال أبو ردينة”، وذلك وفق رواية ديبلوماسي فلسطيني رفيع.
بالحقائق، كانت الكويت من ابرز الداعمين لمنظمة التحرير الفلسطينية التي هي ممثل الشعب الفلسطيني وتقود كفاحه المشروع ضد اسرائيل.
كانت تساند الفلسطينيين بالأموال والسياسة والأخلاق، أي كان وضع الفلسطيني في الكويت مثالياً على مستوى العمل والإقامة في المنطقة، اي أن الغزو العراقي استهدف دولة تتصدر مساندة فلسطين.
وفق احصاءات الصندوق القومي الفلسطيني، قدمت دولة الكويت 600 مليون دولار من العام 1993 لغاية العام 2000 دعماً للفلسطينيين، اي بعد تحرير الكويت رغم الألتباسات القوية بشأن الموقف الفلسطيني الرسمي من الغزو، كما قدمت الكويت أكثر من 500 مليون دولار للفلسطينيين من عام 2002 لغاية العام 2008 .
المهم والجوهري في كل هذه الأرقام ليس اظهار المساندة الكويتية لشعب فلسطين فقط، ففي الفترة نفسها، العراق الذي كان يحكمه صدام حسين والذي غزا الكويت بحجة فلسطين وربط الموضوع بمواجهة اسرائيل لم يرسل دولاراً واحداً للفلسطينيين خلال الفترة من 1991 لغاية سقوطه، لأنه كان واقعاً تحت عقوبات صارمة وكان الشعب العراقي يعاني من هذه العقوبات التي حولت بلداً غنياً مثل العراق الى بلد منهك مدمر.
بالمحصلة، الغزو العراقي للكويت، استهدف دولة مساندة لفلسطين في حين أن العراق المساند لفلسطين قبل الغزو صار عاجزاً عن مواصلة تقديم الدعم للفلسطينيين، بل إن العراق الغني دخل في دوامة المساعدات الإنسانية واتفاق النفط مقابل الغذاء والدواء، أي بيع النفط مقابل تلقي العراقي، الطعام والعلاج.
كما أن فكرة فلسطين وفق الدعاية الأيديولوجية للدولة السياسية المتخلفة في العراق بقيادة صدام حسين، كانت تمثل القضية المركزية لهذه الدولة والحزب الذي يقودها ومعروف ان القضايا المركزية لها أولوية في السياسات والميزانيات والستراتجيات، لكن في الواقع رأينا دولة صدام تذهب الى معركة داخل العالم العربي وضد دولة عربية شقيقة لها دور مهم في دعم مركزية فلسطين في وجدان وسياسات المنطقة.
ان عملية ربط غزو الكويت بفلسطين، وربط تحرير الكويت بقصف اسرائيل بالصواريخ، ليس موضوعاً سياسياً ولا هو عبارة عن موقف سياسي محض، بل هو سلوك مقصود من دولة سياسية متخلفة في العراق في وقتها، كانت لا تتورع عن التلاعب بنظام القيم العام، ونظام الوعي العام لشعوب المنطقة، اي تصبح رؤية الأبيض أسود أو اصفر أو رمادي أو العكس.
كما أن اسلوب تنقل القيم من موضوع الى موضوع بطريقة عاطفية هو سمة الأنظمة السياسية المتخلفة التي سيطرت ومازال بعضها يسيطر على دول بالعالم العربي، اي تحقيق ما يسمى التباس القيم في نظام التفكير العام لدى المتعلمين خصوصا، بين تحرير فلسطين واحتلال الكويت، بين التعدي على شعب عربي وبين قصف اليهود المعتدين بفلسطين.
على مستوى الأفراد: خلال الغزو العراقي للكويت، خرج أكثر من 400 ألف فلسطيني من منطقة الخليج، ومن دولة الكويت، بينهم فلسطينيون وفلسطينيون اردنيون، اي فقدوا وظائفهم الضرورية لتأمين حياة جميلة عزيزة لأسرهم، أي ان نظام صدام لم يكتف بألحاق الضرر بدولة تدعم فلسطين ولا الحاق الضرر بالعراق نفسه الذي كان يساند فلسطين قبل الغزو، بل تسبب بأذى كبير لمئات ألاف العائلات الفلسطينية التي كانت ترسل اموالاً الى الداخل الفلسطيني للحصول على عيش مهم، وبعض هذه الأموال كان يقوي شوكة الفلسطيني ضد الاحتلال الإسرائيلي.
كما أن قسماً معتبراً من أموال الموظفين الفلسطينين في الكويت ودول الخليج كانت تستعمل لدعم الصندوق القومي الفلسطيني عبر تبرعات، أو استقطاعات أو اي مساهمة أخرى، وبالتالي كل هذه العملية توقفت تماماً بعد الغزو العراقي للكويت.
بحسابات النتائج على الأرض: الغزو العراقي للكويت كان محقاً في ربط الموضوع بفلسطين والصراع مع اسرائيل، لكن ليس على طريقة ووجهة نظر الدولة السياسية العراقية المتخلفة في حينها، انما الترابط موجود وحقيقي، بمعنى ان الغزو أضعف، بل كسر الفلسطينيين وأمد اسرائيل بالقوة المضافة.
( يتبع)
اعلامي و باحث منهجي