لماذا تأثر الاقتصاد الأوروبي بتذبذب الليرة التركية؟ شفافيات

18-08-2018

د. حمود الحطاب

قال بعض طلبة العلم ممازحين العالم الذي كان يُدرسهم وقد رأوه يشتري كتابا ليس من تخصصه ولا من علمه: لماذا تقرأ ما ليس من علمك يا مولانا ؟ فأجاب: أقرأ ما ليس من علمي ليصبح من علمي.
مثل هذا الكلام دار بيني وبين صديقي وأستاذي الاقتصادي أبي عبدالله، فكان رأيه أن أكتب في عموميات الأزمة المالية التركية، فالناس لا تستوعب التفاصيل، إذ ليس علم الاقتصاد من تخصص كل أحد، كما أن صديقي القديم كان يخشى علي من الوقوع في مطبات علمية في عالم الاقتصاد ناتجة عن كتابتي في ما ليس من تخصصي، والعيب ليس فيَّ ولا في حبايبي. “عاد انتوا بعد هذا سولفوا كما تحبون”.
وتعالوا معنا الآن نخوض بالاقتصاد مع الحذر في المشي فوق الحيطان، ولكننا سنمشي فوقها مع حفظ التوازن ونقول:
بسم الله الرحمن الرحيم، لماذا تأثرت دول أوروبا أيضاً بتذبذب الليرة بنت تركيا مقابل الدولار ابن أميركا؟
وإذا أردنا الحكاية من أولها فأعطوني ثلاثة أعمدة أكتب فيها، ومادام الأمر عمودا واحدا أبو أربعمئة كلمة كما يفضل، فأقول وعمر القراء يطول: ان اليرة التركية غير مستقرة على حالها قبل ان يأتي اردوغان للسلطة في كل مناصبه التي شغلها وأثر فيها، فالأزمة عموما ليست أردوغانية.
الليرة وكل العملات المالية تتأثر بالاقتراض الملياري للشركات الاقتصادية في البلاد الذي تترتب عليه فوائد مالية كبيرة يصعب تسديدها في أحايين كثيرة.
تركيا تنمو اقتصاديا وبشكل مذهل سبق أميركا وبريطانيا وبعض الدول العظمى الأخرى، فنسبة النمو فيها سبعة في المئة، ونسبة النمو في أميركا 2.3، ونسبة النمو في بريطانيا 1.8، فهذا نمو هائل جدا في اقتصاد تركيا كما هو واضح، لكن هذا النمو “الطفرة المذهلة” كما أُسمِّيه، لم يؤد لسيولة مالية في البلاد لأسباب، وعانت تركيا من نسبة تضخم هائلة قياسا على الولايات المتحدة الأميركية وبريطانيا.
وتعد القروض الخارجية التركية سياسة نقدية توسعية، 220 مليار دولار، قروض الشركات من الخارج، من أوروبا أكثرها، وخصوصا من إسبانيا بفوائد متدنية وبضمان الدولة التركية. فكيف السداد؟ هنا مشكلة، فهل تقدرون الآن لماذا تضررت أوروبا أيضا؟
عرض أكبر من الليرة في تركيا، وطلب أكثر على الدولار الاميركي أدى لانخفاض العملة أو تذبذبها بين العرض والطلب كما ترون. وبلغت صادرات تركيا في العام 2016 ما يقدر بنحو 156 مليار دولار، بينما بلغت وارداتها 186 مليار دولار، فهناك فارق غير متكافئ بين الصادر والوارد، وهذا ادى الى عجز الميزان التجاري للدولة.
أظن هنا أن العلاج بتقليل الوارد بنسبة كبيرة جدا والاعتماد على التصنيع المحلي والاكتفاء الذاتي والبحث عن بدائل استهلاكية يوفرها الوارد حاليا، ولا يشترط اتباع سياسة التقشف، كما فعلتها بعض الدول العربية.
وهنا يقف السيد اردوغان معلنا أننا سنصنع وسنصدر بدلا من الاستيراد، ويعد وجود العَلَمُ التركيُّ على البضاعة التركية علامة جودة كما وعد اردوغان ونفذ بالفعل.
الخلاصة يا بو عبدالله، السؤال: هل أزمة تركية سياسية بحت أم اقتصادية بحت؟
الجواب: “لا ده ولا ده، وكله من لاده”.
الجواب: ان هناك تداخلا بين الموضوعين، فتذبذب الليرة كما تابعه المحللون السياسيون ليس حديثا، فهو متذبذب منذ عشر سنوات، ونسبة التضخم التي احدثتها طفرات التنمية السريعة عالية جدا، إضافة الى استغلال هذا الوضع بالضغط السياسي الخارجي، والذي استخدم لجام الحصان لضربه به. وهنا خطأ كبير لا يقع فيه الفرسان. ولهذه النقطة بالذات مقالة إن شاء الله.
سأنزل الآن من المشي على الحيطان، ولم أكمل الموضوع، واستفدت كثيرا من تحليلات الاقتصاديين واطلعت على ما ليس من علمي، ومع التمرين سيصبح من خبرتي وعلمي يا أخي. الله أكبر… الله اكبر كبيرا، والحمد لله كثيرا.
الى اللقاء.
كاتب كويتي